[576] ندمهم ويتوبون ويعتذرون ممّا صنعوا، لكن القرآن يقول في هذا الصدد: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون )(1) وتجدر الإشارة إلى هذه المسألة، وهي أن في بعض آيات القرآن تصريحاً بعدم الإذن للمجرمين أن يعتذروا (ولا يؤذن لهم فيعتذرون )(2) غير أنّ الآية محل البحث تقول: لا ينفعهم الإعتذار هناك، وظاهرها أنّهم يعتذرون، إلاّ أنّه لا أثر لاعتذارهم. وبالطبع فإنّه لا تضاد بين هذه الآيات، لأنّ يوم القيامة فيه مراحل مختلفة، وفي بعض المراحل لا يؤذن للمجرمين بالإعتذار أبداً ويختم على أفواههم... وإنّما تتحدث الجوارح بما أساءت فحسب... وفي بعض المراحل تنطلق ألسنتهم بالإعتذار، إلاّ أنّه... لا ينفعهم الإعتذار أبداً.؟! وواحد من أعذارهم أنّهم يلقون تبعات ذنوبهم على أشياخهم في الكفر والنفاق، فيقولون لهم: (لولا أنتم لكنا مؤمنين )(3)، إلاّ أن أُولئك يردون عليهم بالقول: (أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم )(4) وأحياناً يلقون اللوم على الشيطان في تضليلهم وانحرافهم وأنّه وسوس لهم، إلاّ أن الشيطان يجيبهم (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم )(5)، أي لم أكرهكم على الكفر، إلاّ أنّكم استجبتم لي برغبتكم. وفي الآية التالية إشارة لجميع المواضيع الوارد بيانها في هذه السورة... إذ تقول: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) لقد ذكرنا فيه الوعد ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ كلمة "يستعتبون" مشتقة من "عتب" على وزن "حتم" ومعناها في الأصل الإضطراب النفسي "الداخلي" وحين يصاغ هذا الفعل من باب الإفعال فيكون معناه ازالة هذا الأثر والإضطراب، كما جاء في لسان العرب أن الإستفعال يؤدي معنى الإفعال هنا، لذلك يقال في شأن الإسترضاء معناه طلب الرضا والتوبة، ومعنى الكلمة هنا في الآية هو بمثل ما ذكرناه، ومعنى ذلك أنّ المجرمين في يوم القيامة ليس لهم القدرة على التوبة. 2 ـ المرسلات، الآية 36. 3 ـ سبأ، الآية 31. 4 ـ سبأ، الآية 32. 5 ـ إبراهيم، الآية 22.