[533] الفتوح الرازي" في تفسيره وغيرهم، وإن ذهب غيرهم كالفخر الرازي الى إن الضمير في كلمة "منه" يعود على الضرّ، وفسّروا الآية هكذا "حين يذيق الله عباده بعد الضرّ رحمة. إذا فريق منهم يشركون بالله". (فيكون معنى "من" هنا البدلية). إلاّ أنّه من الواضح أن التّفسير الأوّل أكثر انسجاماً مع ظاهر الآية! أمّا الآية الأُخرى فجاءت بعنوان التهديد لأُولئك المشركين، الذين ينسون ربّهم عند نيل النعم، إذ تقول: اتركهم (ليكفروا بما آتيناهم ) وليفعلوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا! ثمّ يخاطب المشركين بأن يتمتعوا بهذه النعم والمواهب الدنيوية الفانية. وسوف يرون العاقبة السيئة لذلك: (فَتمتعوا فسوف تعلمون )(1) و بالرغم من أنّ المخاطبين بالآية هم المشركون، إلاّ أنّه لا يَبعُد أن يكون لها مفهوم واسع بحيث يشمل جميع الذين ينسون الله عند إقبال النعم، وينشغلون بالتمتع بهذه النعم فحسب، دون أن يذكروا واهب النعم. وبديهيٌ أن صيغة الأمر استعملت هنا للتهديد!. والقرآن في الآية الأُخرى يصوغ الكلام في صيغة الإِستفهام المقرون بالتوبيخ فيقول: (أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ). "أم" هنا للإستفهام، ويحمل الإِستفهام هنا غرضاً استنكارياً وتوبيخاً... أي إن سلوك هذا الطريق والخطة يجب أن يكون إمّا لنداء الفطرة، أو بحكم العقل، أو بأمر الله، لكن حين يصرخ الوجدان والفطرة في الشدائد والملمات بالتوحيد.... فإن العقل يقول أيضاً: ينبغي التوجه نحو واهب النعم. يبقى أن حكمَ الله في هذه الآية هو في مورد النفي، أي: لم يؤمروا من قِبل الله بمثل هذا الأمر، فعلى هذا فإن هؤلاء في اعتقادهم هذا لم يستندوا إلى أي أصل ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ إنّ "اللام" في جملة "ليكفروا" هي لام الأمر، وهذا الأمر للتهديد، وكذلك جملة "تمتعوا" إذ هي للتهديد أيضاً. وإن كانت الأُولى جاءت بصيغة "الغائب" والثّانية بصيغة "الخطاب"... فكأنّما افترض في الحالة الأُولى أنّهم غيّاب ثمّ من أجل التشدّد بالتهديد جعلهم مواجهين للتهديد والخطاب، إلاّ أنّ بعض المفسّرين عدّوا "اللام" للعاقبة، أي كان عاقبة أمرهم الكفر بنعم الله، إلاّ أن المعنى الأوّل أكثر انسجاماً مع ظاهر الآية.