[70] وأكل المال الحرام، ولكي يؤكّد القرآن قبح هذه الأعمال، قالت الآية: (لبئس ما كانوا يعملون ...). وتدل عبارة (كانوا يعملون) على أنّ هذه الذنوب لم تكن تصدر عن هؤلاء صدفة، بل كانوا يمارسونها دائماً مع سبق اصرار. بعد ذلك تحمل الآية الثالثة على علمائهم الذين أيّدوا قومهم على ارتكاب المعاصي بسكوتهم، فتقول: (لولا ينهاهم الرّبانيون والأحبار عن قولهم الإِثم وأكل السحت...). وقد أشرنا سابقاً إِلى أنّ كلمة (ربّانيون) هي صيغة جمع لكلمة (ربّاني) المشتقة من كلمة (رب) وتعني العالم أو المفكر الذي يدعو الناس إِلى الله، لكنّها قد أُطلقت في كثير من الحالات على علماء المسيحيين، أي رجال الدين المسيحي. أمّا كلمة (أحبار) فهي صيغة جمع لكلمة (حبر) وهي تعني العلماء الذين يخلفون أثاراً حسنة في المجتمع، لكنّها أُطلقت في موارد كثيرة على رجال الدين اليهود. أمّا خلو هذه الآية من كلمة (العدوان) التي وردت في الآية قبلها، فقد استدل بعضهم من ذلك على أن كلمة (الإِثم) الواردة هنا تشمل جميع المعاني التي تدخل في إطار هذه الكلمة ومن ضمنها (العدوان). لقد وردت في هذه الآية عبارة (قولهم الإِثم) التي تختلف عمّا ورد في الآية السابقة، ولعل هذه إِشارة إِلى أن العلماء مكلفون بردع الناس عن النطق بما يشوبه الذنب من قول، كما هم مكلّفون بمنع الناس عن ارتكاب العمل السيء، ولربّما تكون كلمة (قول) الواردة هنا بمعنى (العقيدة) أي أن العلماء الذين يهدفون إِلى اصلاح أي مجتمع فاسد، عليهم أوّلا أن يصلحوا أو يغيروا المعتقدات الفاسدة التي تشيع في هذا المجتمع، فما لم يحصل التغيير الفكري لا يمكن توقع حصول اصلاحات جذرية في الجوانب العملية، وبهذه الصورة تبيّن الآية للعلماء أنّ الثورة