[43] وحزم، ويملؤون العالم قسطاً وعدلا وإيماناً. وممّا لا شك فيه أنّه لا تناقض بين هذه الرّوايات الواردة في تفسير الآية الأخيرة، لأنّ الآية ـ جرياً على أسلوب القرآن الكريم ـ تبيّن مفهوماً كلياً عاماً، بحيث تعتبر "علي بن أبي طالب(عليه السلام)" أو "سلمان الفارسي" مصداقين مهمين ضمن هذا المفهوم الذي يشمل أفراداً آخرين يسيرون على نفس النهج، حتى لو لم تتطرق الرّوايات إِلى أسمائهم. إِنّ الأمر الذي يثير الأسف في هذا المجال، هو تدخل العصبيات الطائفية والقومية في تفسير هذه الآية، والتي أدخلت أفراداً لا يمتلكون أي كفاءة ولا يتمتعون بأي من الصفات المذكورة ضمن مصاديق هذه الآية واعتبرتهم ممّن نزلت الآية في شأنهم، ومن هؤلاء الأفراد "أبو موسى الأشعري" الذي ارتكب تلك الحماقة التّأريخية المعروفة التي دفعت بالإِسلام نحو هاوية السقوط، ووضعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) في أحرج موقف(1). والغريب في هذا الأمر هو انتقال آثار التطرف الذي نلاحظه في الكتب العلمية ـ بشكل رهيب ـ إِلى سواد الناس، بل إِلى متعلميهم، وكأن هناك يداً خفية تسعى ال تشتيت صفوف المسلمين، وتحول دون اتحاد كلمتهم، وقد سرى هذا التطرف ليشمل تاريخ ما قبل الإِسلام، بحيث نرى هؤلاء المتطرفين وقد سمّوا شارعاً فخماً يقع بجوار بيت الله الحرام باسم "أبي سفيان" وهذا الشارع هو أكبر وأفخم بكثير من شارع "إِبراهيم الخليل(عليه السلام)" مؤسس الكعبة الشريفة. وأخذ أمثال هؤلاء المتطرفين يصمون كثيراً من المسلمين وبكل بساطة بالشرك، لا لشيء إِلاّ لأنّ تحرك هؤلاء المسلمين لا يتفق مع أهوائهم وطريقتهم ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ تفسير الطبري، ج 6، ص 184 ـ إلاّ أنّ بعض الرّوايات ذكرت فقط "قوم أبي موسى" للإِشارة إِلى أهل اليمن الذين هبوا لنصرة الإِسلام في أحرج اللحظات، واستثنى أبو موسى تلميحاً إِلى قومه، بينما تصرح الرّوايات الأُخرى بأن (سلمان الفارسي) وقومه هم المشمولون بهذه الآية.