[21] أنزلنا التّوراة فيها هدى ونور)(1). وأمّا الإِنجيل فقد أُطلقت عليه الآية الأخيرة اسم النّور. والقرآن ـ أيضاً ـ حيث نقرأ قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)(2). فكما أنّ النّور يعتبر ـ في الحقيقة ـ ضرورة حتمية لجميع الموجودات من أجل أن تواصل حياتها، كذلك تكون الأديان الإِلهية والشرائع والكتب السماوية ضرورة حتمية لنضوج وتكامل بني الإِنسان. وقد ثبت من حيث المبدأ أنّ مصدر كل الطاقات والقوى والحركات وكل أنواع الجمال هو النّور، فكذلك الحال في تعليمات الأنبياء وارشاداتهم، فلولاها لساد الظلام كل القيم الإِنسانية سواء الفردية منها أو الإِجتماعية، وهذا ما نلاحظه في المجتمعات المادية بكل وضوح. لقد كرر القرآن الكريم في مجالات متعددة أنّ التّوراة والإِنجيل هما كتابان سماويان، ومع أن هذين الكتابين ـ دون شك ـ منزلان في الأصل من قبل الله سبحانه وتعالى، لكنّهما ـ بالتأكيد ـ قد تعرضا بعد حياة الأنبياء إِلى التحريف، فحذفت منهما حقائق وأضيفت إِليهما خرافات، وأدى ذلك إِلى أن يفقدا قيمتهما الحقيقية، أو أنّ الكتب الأصلية تعرضت للنسيان والتجاهل وحلت محلها كتب أُخرى حوت على بعض الحقائق من الكتب الأصلية(3). وعلى هذا الأساس فإنّ كلمة النّور التي أُطلقت في القرآن الكريم على هذين الكتابين، إِنما عنت التّوراة والإِنجيل الأصليين الحقيقيين. بعد ذلك تكرر الآية التأكيد على أن عيسى(عليه السلام) لم يكن وحده الذي أيد ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ المائدة، 44. 2 ـ المائدة، 15. 3 ـ راجع كتابي "الهدى إلى دين المصطفى" و"أنيس الأعلام" لمعرفة تفاصيل التحريف الوارد في الإِنجيل والدلائل التّأريخية على ذلك.