[18] الحيدة عنه، استدركت الآية بعد ذكر حكم القصاص فبيّنت أن الذي يتنازل عن حقه في هذا الأمر ويعفو ويصفح عن الجاني، يعتبر عفوه كفارة له عن ذنوبه بمقدار ما يكون للعفو من أهمية (فمن تصدق به فهو كفارة له ...).(1) ويجب الإِنتباه إِلى أنّ الضمير الوارد في كلمة (به) يعود على القصاص، وكانت الآية جعلت التصدق بالقصاص عطية أو منحة للجاني واستخدام عبارة "التصدق" والوعد الذي قطعه الله للمتصدق، يعتبران عاملا محفزاً على العفو والصفح، لأنّ القصاص لا يمكنه أن يعيد للإِنسان ما فقده مطلقاً، بل يهبه نوعاً من الهدوء والإِستقرار النفسي المؤقت، بينما العفو الذي وعد به الله للمتصدق، بإمكانه أن يعوضه عما فقده بصورة أُخرى، وبذلك يزيل عن قلبه ونفسه بقايا الألم والإِضطراب، ويعتبر هذا الوعد خير محفز لمثل هؤلاء الأشخاص. وقد ورد عن الحلبي قال سألت أبا عبداللّه ـ الإِمام الصادق ـ (عليه السلام) عن قوله اللّه عزّوجلّ: (فمن تصدق به فهو كفارة لهو..) قال: "يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفى"(2). وتعتبر هذه الجملة القرآنية في الحقيقة خير جواب مفحم للذين يزعمون أن القصاص ليس بقانون عادل، ويدعون أنّه يشجع روح الإِنتقام والمثلة. والذي يفهم من الصياغة العامّة للآية هو أنّ جواز القصاص إِنّما هو لإِخافة وإِرعاب الجناة وبالنتيجة لضمان الأمن لأرواح الناس الأبرياء، كما أنّ الآية فتحت باب العفو والتوبة، وبذلك أراد الإِسلام أن يحول دون ارتكاب مثل هذه الجرائم باستخدام الروادع والحوافز كالخوف والأمل، كما استهدف الإِسلام من ذلك ـ أيضاً ـ الحيلولة دون الإِنتقام للدم بالدم بقدر الإِمكان ـ إِذا استحق الأمر ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ لقد أورد الكثير من المفسّرين احتمالا آخر، وهو أن الضمير الوارد في كلمة "له" يعود على شخص الجاني، بحيث يصبح المعنى أن الذي يتنازل عن حقه يرفع بذلك القصاص عن الجاني ويكون ذلك كفارة لعمل الجاني، إِلاّ أن ظاهر الآية يدل على التّفسير الذي أشرنا إليه أعلاه. 2 ـ نور الثقلين، الجزء الأول، ص 637.