[9] لمعرفة الحقيقة، وقد أبعدتهم هذه الحالة عن طريق الرشاد وأخرجتهم من جادة الصواب، بحيث لم يبق أمل في هدايتهم، فاستحقوا بذلك عذاب الله، ولم تعد تنفع فيهم شفاعة الشافعين، وفي هذا المجال تقول الآية الكريمة: (ومن يرد الله فتنته فلن يملك له من الله شيئاً) وقد تدنست قلوب هؤلاء إِلى درجة لم تعد قابلة للتطهير، وحرمهم الله لذلك طهارة القلوب، فتقول الآية: (أُولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ...) وعمل الله مقرون بالحكمة دائماً، لأن من يقضي عمراً في الإِنحراف ويمارس النفاق والكذب ويخالف الحق ويرفض الحقيقة، ويحرف قوانين الله لن يبقى له مجال للتوبة والعودة إِلى الحق، حيث تقول الآية الكريمة في هذا المجال: (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم). أمّا الآية الثّانية فتؤكّد ـ مرّة أُخرى ـ على أن هؤلاء لديهم آذان صاغية لإِستماع حديث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لا لإِطاعته بل لتكذيبه، أو كما يقول تفسير آخر فإِنّ هؤلاء آذانهم صاغية لإِستماع أكاذيب كبارهم، فتقول الآية: (سماعون للكذب ...) وقد تكررت هذه الجملة في آيتين متتاليتين تأكيداً واثباتاً لوجود هذه الصفة الشنيعة في هؤلاء. كما أضافت الآية صفة شنيعة أُخرى اتصف بها اليهود، وهي تعودهم وادمانهم على أكل الأموال المحرمة والباطلة من الرّبا والرّشوة وغير ذلك، حيث تقول الآية: (أكالون للسحت ...)(1). ثمّ تخير الآية النّبي بين أن يحكم بينهم أو أن يتجنبهم ويتركهم، حيث تقول الآية: (فإِن جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم ...) ولا يعني التخيير أن يستخدم النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ميله ورغبته في اختيار أحد الأمرين المذكورين، بل إن ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ تعني كلمة (سحت) في الأصل نزع القشرة، أو شدّة الجوع، ثمّ أُطلقت على كل مال غير مشروع، أي محرم، وبالأخص الرشوة، لأن مثل هذه الأموال تنزع الصفاء والمودة عن المجتمع وتزيل عنه البركة والرخاء مثلما يؤدي نزع قشر الشجرة إِلى ذبولها وجفافها وعلى هذا الأساس فإن لكلمة (سحت) معنى واسعاً، وإِذا ورد في بعض الرّوايات مصداق خاص لها فلا يدل ذلك على اختصاص الكلمة بذلك.