@ 305 @ والظاهر أن { اسْتِكْبَاراً } مفعول من أجله ، أيسبب النفور وهو الاستكبار ، { وَمَكْرَ } معطوف على { وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً } ، فهو مفعول من أجله أيضاً ، أي الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار ؛ { * والمكر السيء } ، وهو الخداع الذي ترومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، والكيد له . وقال قتادة : المكر السيء هو الشرك . وقيل : { وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً } بدل من { نُفُورًا } ، وقاله الأخفش . وقيل : حال ، يعني مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ، ومكر السيء من إضافة الموصوف إلى صفته ، ولذلك جاء على الأصل : { وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ } . وقيل : يجوز أن يكون { وَمَكْرَ } معطوفاً على { إِلاَّ نُفُورًا } . وقرأ الجمهور : ومكر السيء ، بكسر الهمزة ؛ والأعمش ، وحمزة : بإسكانها ، فإما إجراء للوصل مجرى الوقف ، وإما إسكاناً لتوالي الحركات وإجراء للمنفصل مجرى المتصل ، كقوله : لنا ابلان . وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن . قال أبو جعفر : وإنما صار لحناً لأنه حذف الإعراب منه . وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر ، لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني ، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا ، وقال : إنما كان يقف على من أدّى عنه ، والدليل على هذا أنه تمام الكلام ، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعربه ، والحركة في الثاني أثقل منها في الأوّل لأنها ضمة بين كسرتين . وقال الزجاج أيضاً : قراءة حمزة ومكر السيء موقوفاً عند الحذاق بياءين لحن لا يجوز ، وإنما يجوز في الشعر للاضطرار . وأكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد ، والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والاضطرار ، والوصل بنية الوقف ، قال : فإذا ساغ ما ذكرناه في هذه القراءة من التأويل ، لم يسغ أن يقال لحن . وقال ابن القشيري : ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرىء به فلا بد من جوازه ، ولا يجوز أن يقال لحن . وقال الزمخشري : لعله اختلس فظن سكوناً ، أو وقف وقفة خفيفة ، ثم ابتدأ { وَلاَ يَحِيقُ } . وروي عن ابن كثير : ومكر السيء ، بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة ، وهو مقلوب السيء المخفف من السيء ، كما قال الشاعر : % ( ولا يجزون من حسن بسي % .
ولا يجزون من غلظ بلين .
) % .
وقرأ ابن مسعود : ومكراً سيئاً ، عطف نكرة على نكرة ؛ { وَلاَ يَحِيقُ } : أي يحيط ويحل ، ولا يستعمل إلا في المكروه . وقرىء : يحيق بالضم ، أي بضم الياء ؛ المكر السيء : بالنصب ، ولا يحيق الله إلا بأهله ، أما في الدنيا فعاقبة ذلك على أهله . وقال أبو عبد الله الرازي : فإن قلت : كثيراً نرى الماكر يفيده مكره ويغلب خصمه بالمكر ، والآية تدل على عدم ذلك . فالجواب من وجوه : أحدها : أن المكر في الآية هو المكر بالرسول من العزم على القتل والإخراج ، ولا يحيق إلا بهم حيث قتلوا ببدر . وثانيها : أنه عامّ ، وهو الأصح ، فإنه عليه السلام نهى عن المكر وقال : ( لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً ، فإنه تعالى يقول : { وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ } ، فعلى هذا يكون ذلك الممكور به أهلاً فلا يزد نقصاً ) . وثالثها : أن الأمور بعواقبها ، ومن مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر ، ففي الحقيقة هو الفائز ، والماكر هو الهالك . انتهى . .
وقال كعب لابن عباس في التوراة ( من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ) ، فقال له ابن عباس : إنا وجدنا هذا في كتاب الله ، { وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ } . انتهى . .
وفي أمثال العرب ( من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً ) . و { قُل لِلَّذِينَ } : إنزال العذاب على الذين كفروا برسلهم من الأمم ، وجعل استقبالهم لذلك انتظاراً له منهم . وسنة الأولين أضاف فيه المصدر . وفي { لِسُنَّةِ اللَّهِ } إضافة إلى الفاعل ، فأضيفت أولاً إليهم لأنها سنة بهم ، وثانياً إليه لأنه هو الذي سنها . وبين تعالى الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها بغيرها ولا