@ 277 @ للمذاهب ، وقلة الإنصاف ، كما هو مشاهد في الدروس التي يجتمع فيها الجماعة ، فلا يوقف فيها على تحقيق . وأما الاثنان ، إذا نظر انظر إنصاف ، وعرض كل واحد منهما على صاحبه ما ظهر له ، فلا يكاد الحق أن يعدوهما . وأما الواحد ، إذا كان جيد الفكر ، صحيح النظر ، عارياً عن التعصب ، طالباً للحق ، فبعيد أن يعدوه . وانتصب { مَثْنَى وَفُرَادَى } على الحال ، وقدم مثنى ، لأن طلب الحقائق من متعاضدين في النظر أجدى من فكرة واحدة ، إذا انقدح الحق بين الاثنين ، فكر كل واحد منهما بعد ذلك ، فيزيد بصيرة . قال الشاعر : % ( إذا اجتمعوا جاءوا بكل غريبة % .
فيزداد بعض القوم من بعضهم علما .
.
) % .
{ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } : عطف على { أَن تَقُومُواْ } ، فالفكرة هنا في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وفيما نسبوه إليه . فإن الفكرة تهدي غالباً إلى الصواب إذا عرى صاحبها عما يشوش النظر ، والوقف عند أبي حاتم عند قوله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ } ، نفي مستأنف . قال ابن عطية : وهو عند سيبويه جواب ما ينزل منزلة القسم ، لأن تفكر من الأفعال التي تعطي التمييز كتبين ، ويكون على هذا في آيات الله والإيمان به . انتهى . واحتمل أن يكون تتفكروا معلقاً ، والجملة المنفية في موضع نصب ، وهو محط التفكر ، أي ثم تتفكروا في انتفاء الجنة على محمد صلى الله عليه وسلم ) . فإن إثبات ذلك لا يصح أن يتصف به من كان أرجح قريش عقلاً ، وأثبتهم ذهناً ، وأصدقهم قولاً ، وأنزههم نفساً ، ومن ظهر على يديه هذا القرآن المعجز ، فيعلمون بالفكرة أن نسبته للجنون لا يمكن ، ولا يذهب إلى ذلك عاقل ، وأن من نسبه إلى ذلك فهو مفتر كاذب . والظاهر أن ما للنفي ، كما شرحنا . وقيل : ما استفهام ، وهو استفهام لا يراد به حقيقته ، بل يؤول معناه إلى النفي ، التقدير : أي شيء بصاحبكم من الجنون ، أي ليس به شيء من ذلك . ولما نفى تعالى عنه الجنة أثبت أنه { نَّذِيرٍ } ، { بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } : أي هو متقدم في الزمان على العذاب الذي توعدوا به ، وبين يدي يشعر بقرب العذاب . .
{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ } الآية : في التبري من طلب الدنيا ، وطلب الأجر على النور الذي أتى به ، والتوكل على الله فيه . واحتملت ما أن تكون موصولة مبتدأ ، والعائد من الصلة محذوف تقديره : سألتكموه ، و { فَهُوَ لَكُمْ } الخبر . ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، واحتملت أن تكون شرطية مفعولة بسألتكم ، وفهو لكم جملة هي جواب الشرط . وقوله : { مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } على معنيين : أحدهما : نفي مسألة للأجر ، كما يقول الرجل لصاحبه : إن أعطيتني شيئاً فخذه ، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئاً ، ولكنه أراد لبت لتعليقه الأخذ بما لم يكن ، ويؤيده { إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ } . والثاني : أن يريد بالأجر ما في قوله : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً } ، وفي قوله : { لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } ، لأن اتخاذ السبيل إلى الله نصيبهم ما فيه نفعهم ، وكذلك المودة في القرابة ، لأن القرابة قد انتظمت وإياهم ، قاله الزمخشري ، وفيه بعض زيادة . قال ابن عباس : الأجر : المودة في القربى . وقال قتادة : { فَهُوَ لَكُمْ } ، أي ثمرته وثوابه ، لأني سألتكم صلة الرحم . وقال مقاتل : تركته لكم . { وَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيدٍ } : مطلع حافظ ، يعلم أني لا أطلب أجراً على نصحكم ودعائكم إليه إلا منه ، ولا أطمع منكم في شيء . .
والقذف : الرمي بدفع واعتماد ، ويستعار لمعنى الإلقاء لقوله : { فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمّ } ، { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } . قال قتادة : ةّ { يَقْذِفُ بِالْحَقّ } : يبين الحجة ويظهرها . وقال ابن القشيري : يبين الحجة بحيث لا اعتراض عليها ، لأنه { عَلَّامُ الْغُيُوبِ } ، وأنا مستمسك بما يقذف إليّ من الحق . وأصل القذف : الرمي بالسهم ، أو الحصى والكلام . وقال ابن عباس : يقذف الباطل بالحق ، والظاهر أن بالحق هو المفعول ، فالحق هو المقذوف محذوفاً ، أي يقذف ، أي يلقي ما يلقي إلى أنبيائه من الوحي والشرع بالحق لا بالباطل ، فتكون الباء إمّا للمصاحبة ، وإمّا للسبب ، ويؤيد هذا الاحتمال كون قذف متعدّياً بنفسه ، فإذا جعلت بالحق هو