@ 391 @ المصدر المفهوم من الكلام قبله ، وأن تكون من للسبب ، أي فانفجرت بسبب الضرب ، ولكن لا يجوز أن يرتكب مثل هذا في كلام الله تعالى ، لأنه لا ينبغي أن يحمل إلا على أحسن الوجوه في التركيب وفي المعنى ، إذ هو أفصح الكلام . وفي هذا الانفجار من الإعجاز ظهور نفس الماء من حجر لا اتصال له بالأرض ، فتكون مادّته منها ، وخروجه كثيراً من حجر صغير ، وخروجه بقدر حاجتهم ، وخروجه عند الضرب بالعصا ، وانقطاعه عند الاستغناء عنه . .
{ اثْنَتَا عَشْرَةَ } : التاء في اثنتا للتأنيث ، وفي ثنتا للالحاق ، وهذه نظير ابنة وبنت . وقرأ الجمهور : عشرة بسكون الشين . وقرأ مجاهد ، وطلحة ، وعيسى ، ويحيى بن وثاب ، وابن أبي ليلى ، ويزيد : بكسر الشين . وروى ذلك نعيم السعيدي عن أبي عمرو ، والمشهور عنه الإسكان ، وتقدّم أنها لغة تميم ، وكسرهم لها نادر في قياسهم لأنهم يخففون فعلاً ، يقولون في نمر : نمر . وقرأ ابن الفضل الأنصاري ، والأعمش : بفتح الشين . وروي عن الأعمش : الإسكان ، والكسر أيضاً . قال الزمخشري : الفتح لغة . وقال ابن عطية : هي لغة ضعيفة . وقال المهدوي : فتح الشين غير معروف ، ويحتمل أن تكون لغة ، وقد نص بعض النحويين على أن فتح الشين شاذ ، وعشرة في موضع خفض بالإضافة ، وهو مبني لوقوعه موقع النون ، فهو مما أعرب فيه الصدر وبني العجز . ألا ترى أن اثنتي معرب إعراب المثنى لثبوت ألفه رفعاً وانقلابها نصباً وجراً ، وأن عشرة مبني ؟ ولما تنزلت منزلة نون اثنتين لم يصح إضافتها ، فلا يقال : اثنتا عشرتك . وفي محفوظي أن ابن درستويه ذهب إلى أن اثنا واثنتا وثنتا مع عشر مبني ، ولم يجعل الإنقلاب دليل الإعراب . .
{ عَيْناً } : منصوب على التمييز ، وإفراد التمييز المنصوب في باب العدد لازم عند الجمهور ، وأجاز الفراء أن يكون جمعاً ، وكان هذا العدد دون غيره لكونهم كانوا اثني عشر سبطاً ، وكان بينهم تضاغن وتنافس ، فأجرى الله لكل سبط منهم عيناً يرده ، لا يشركه فيه أحد من السبط الآخر ، وذكر هذا العدد دون غيره يسمى التخصيص عند أهل علم البيان ، وهو أن يذكر نوع من أنواع كثيرة لمعنى فيه لم يشركه فيه غيره ، ومنه قوله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعْرَى } ، وسيأتي بيان ذلك التخصيص فيها ، إن شاء الله تعالى ، في موضعها ، وقول الخنساء : % ( يذكرني طلوع الشمس صخرا % .
وأندبه بكل مغيب شمس .
) % .
اختصتهما من دون سائر الأوقات للغارة والقرى . قال بعض أهل اللطائف : خلق الله الحجارة وأودعها صلابة يفرق بها أجزاء كثيرة مما صلب من الجوامد ، وخلق الأشجار رطبة الغصون ، ليست لها قوّة الأحجار ، فتؤثر فيها تفريقاً بأجزائها ولا تفجير العيون مائها ، بل الأحجار تؤثر فيها . فلما أيدت بقوة النبوّة ، انفلقت بها البحار ، وتفرقت بها أجزاء الأحجار ، وسالت بها الأنهار ، { إِنَّ فِى ذالِكَ لَعِبْرَةً لاِوْلِى الاْبْصَارِ } . .
{ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } : جملة استئناف تدل على أن كل سبط منهم قد صار له مشرب يعرفه فلا يتعدّاه لمشرب غيره ، وكأنه تفسير لحكمة الانقسام إلى اثنتي عشرة عيناً ، وتنبيه عليها . وعلم هنا متعدّية لواحد أجريت مجرى عرف ، واستعمالها كذلك كثير في القرآن ولسان العرب . وكل أناس مخصوص بصفة محذوفة ، أي من قومه الذين استسقى لهم . والمشرب هنا مكان الشرب وجهته التي يجري منها الماء . وحمله بعضهم على المشروب وهو الماء ، والأول أولى ، لأن دلالته على المكان بالوضع ، ودلالته على الماء بالمجاز ، وهو تسمية الشيء باسم مكانه وإضافة المشرب إليهم ، لأنه لما تخصص كل مشرب بمن تخصص به صار كأنه ملك لهم ، وأعاد الضمير في مشربهم على معنى كل لا على لفظها ، ولا يجوز أن يعود على لفظها ، فيقال : مشربه ، لأن