@ 383 @ حين دخلوها ، فإنه مات هو وأخوه في التيه . وقيل : لم يدخلا التيه لأنه عذاب ، والله لا يعذب أنبياءه . .
{ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } : تقدّم الكلام على نظير هذه الجملة في قصة آدم في قوله : { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } ، إلا أن هناك العطف بالواو وهنا بالفاء ، وهناك تقديم الرغد على الظرف ، وهنا تقديم الظرف على الرغد ، والمعنى فيهما واحد ، إلا أن الواو هناك جاءت بمعنى الفاء ، قيل : وهو المعنى الكثير فيها ، أعني أنه يكون المتقدّم في الزمان والمعطوف بها هو المتأخر في الزمان ، وإن كانت قد ترد بالعكس ، وهو قليل . وللمعية والزمان ، وهو دون الأول ، ويدل أنها بمعنى الفاء ما جاء في الأعراف من قوله : { فَكُلاًّ } بالفاء ، والقضية واحدة . وأما تقديم الرغد هناك فظاهر ، فإنه من صفات الأكل أو الآكل ، فناسب أن يكون قريباً من العامل فيه ولا يؤخر عنه ، ويفصل بينهما بظرف وإن لم يكن فاصلاً مؤثراً المنع لاجتماعهما في المعمولية لعامل واحد ، وأما هنا فإنه أخر لمناسبة الفاضلة بعده ، ألا ترى أن قوله : { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } وقوله : { وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا } ، فهما سجعتان متناسبتان ؟ فلهذا ، والله أعلم ، كان هذان التركيبان على هذين الوضعين . .
{ وَادْخُلُواْ الْبَابَ } : الخلاف في نصب الباب كالخلاف في نصب القرية ، والباب أحد أبواب بيت المقدس ، ويدعى الآن : باب حطة ، قاله ابن عباس ؛ أو الثامن ، من أبواب بيت المقدس ، ويدعى باب التوبة ، قاله مجاهد والسدي ؛ أو باب القرية التي أمروا بدخولها ، أو باب القبة التي كان فيها موسى وهارون يتعبدان ، أو باب في الجبل الذي كلم الله عليه موسى . { سُجَّدًا } نصب على الحال من الضمير في ادخلوا ، قال ابن عباس : معناه ركعاً ، وعبر عن الركوع بالسجود ، كما يعبر عن السجود بالركوع ، قيل : لأن الباب كان صغيراً ضيقاً يحتاج الداخل فيه إلى الانحناء ، وبعد هذا القول لأنه لو كان ضيفاً لكانوا مضطرين إلى دخوله ركعاً ، فلا يحتاج فيه إلى الأمر ، وهذا لا يلزم ، لأنه كان يمكن أن تكون الحال لازمة بمعنى أنه لا يمكن أن يقع الدخول إلا على هذه الحال ، والحال اللازمة موجودة في كلام العرب . وقيل : معناه خضعاً متواضعين ، واختاره أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل في المنتخب ، ونذكر وجه اختياره لذلك . وقيل : معناه السجود المعروف من وضع الجبهة على الأرض ، والمعنى : ادخلوا ساجدين شكراً لله تعالى ، إذ ردهم إليها . وهذا هو ظاهر اللفظ . قال أبو عبد الله بن أبي الفضل : وهذا بعيد ، لأن الظاهر يقتضي وجوب الدخول حال السجود ، فلو حملناه على ظاهره لامتنع ذلك ، فلما تعذر على حقيقة السجود وجب حمله على التواضع ، لأنهم إذا أخذوا في التوبة ، فالتائب عن الذنب لا بد أن يكون خاشعاً مستكيناً ، وما ذهب إليه لا يلزم ، لأن أخذ الحال مقارنة ، فتعذر ذلك عنده ، وليس بمتعذر لأنه لا يبعد أن أمروا بالدخول وهم ساجدون ، فيضعون جباههم على الأرض وهم داخلون . وتصدق الحال المقارنة بوضع الجبهة على الأرض إذا دخلوا . وأما إذا جعلنا الحال مقدرة فيصح ذلك ، لأن السجود إذ ذاك يكون متراخياً عن الدخول ، والحال المقدرة موجودة في لسان العرب . من ذلك ما في كتاب سيبويه مررت برجل معه صقر صائداً به غداً . وإذا أمكن حمل السجود على المتعارف فيه كثيراً ، وهو وضع الجبهة بالأرض يكون الحال مقارنة أو مقدرة ، كان أولى . وقال الزمخشري : أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب ، شكراً لله وتواضعاً ، وما ذكره ليس مدلول الآية لأنهم لم يؤمروا بالسجود في الآية عند الانتهاء إلى الباب ، بل أمروا بالدخول في حال السجود . فالسجود ليس مأموراً به ، بل هو قيد في وقوع المأمور به ، وهو الدخول ، والأحوال نسب تقييدية ، والأوامر نسب إسنادية ، فتناقضتا ، إذ يستحيل أن يكون الشيء تقييدياً إسنادياً ، لأنه من حيث التقييد لا يكتفي كلاماً ومن حيث الإسناد يكتفي ، فظهر التناقض . وفي كيفية دخولهم الباب أقوال : قال ابن عباس وعكرمة : دخلوا من قبل أستاههم ، وقال ابن مسعود : دخلوا مقنعي رؤوسهم ، وقال مجاهد : دخلوا على حروف أعينهم ، وقال مقاتل : دخلوا مستلقين ، وقيل : دخلوا منزحفين على ركبهم عناداً وكبراً ، والذي