@ 549 @ أخرجه الترمذي . ومعنى لتأطرنه لتردنه . وقيل : التفاعل عنا بمعنى الافتعال يُقال : انتهى عن الأمر وتناهى عنه إذا كف عنه ، كما تقول : تجاوزوا واجتوزوا . والمعنى : كانوا لا يمتنعون عن منكر . وظاهر المنكر أنه غير معين ، فيصلح إطلاقه على أيّ منكر فعلوه . وقيل : صيد السمك يوم السبت . وقيل : أخذ الرشا في الحكم . وقيل : أكل الربا وأثمان الشحوم . ولا يصح التناهي عما فعل ، فإما أن يكون المعنى أرادوا فعله كما ترى آلات أمارات الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فينكر ، وإما أن يكون على حذف مضاف أي : معاودة منكر أو مثل منكر . .
{ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ذم لما صدر عنهم من فعل المنكر وعدم تناهيهم عنه . وقال الزمخشري : تعجيب من سوء فعلهم ، مؤكداً لذلك بالقسم ، فيا حسرتا على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المنكر وقلة عنايتهم به كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كتاب الله ، وما فيه من المبالغات في هذا الباب انتهى . وقال حذّاق أهل العلم : ليس من شروط الناهي أن يكون سليماً من المعصية ، بل ينهي العصاة بعضهم بعضاً . وقال بعض الأصوليين : فرض على الذين يتعطون الكؤوس أن ينهي بعضهم بعضاً ، واستدل بهذه الآية لأن قوله : لا يتناهون وفعلوه ، يقتضي اشتراكهم في الفعل ، وذمهم على ترك التناهي . وفي الحديث : ( لا يزال العذاب مكفوف عن العباد ما استتروا بمعاصي الله ، فإذا أعلنوها فلم ينكروها استحقوا عقاب الله تعالى ) . .
{ تَرَى كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } الظاهر عود الضمير في : منهم ، على بني إسرائيل فقال مقاتل : كثيراً منهم هو من كان بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ) يتولون الكفار وعبدة الأوثان ، والمراد كعب بن الأشرف وأصحابه الذين استجلبوا المشركين على الرسول ، وعلى هذا يكون ترى بصرية ، ويحتمل أن تكون من رؤية القلب ، فيحتمل أن يراد أسلافهم أي : ترى الآن إذ أخبرناك . وقيل : كثيراً منهم منافقو أهل الكتاب كانوا يتولون المشركين . وقيل : هو كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل عني به المنافقون تولوا اليهود روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد . .
{ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } تقدّم الكلام على إعراب ما قال الزمخشري في قوله : أن سخط الله ، أنه هو المخصوص بالذم ومحله الرفع كأنه قيل : لبئس زادهم إلى الآخرة سخط الله عليهم ، والمعنى موجب سخط الله عليهم انتهى . ولا يصح هذا الإعراب إلا على مذهب الفرّاء ، والفارسي في أنّ ما موصولة ، أو على مذهب من جعل في بئس ضميراً ، وجعل ما تمييزاً بمعنى شيئاً ، وقدّمت صفة التمييز . وأما على مذهب سيبويه فلا يستوي ذلك ، لأن ما عنده اسم تام معرفة بمعنى الشيء ، والجملة بعده صفة للمخصوص المحذوف ، والتقدير : لبئس الشيء قدّمت لهم أنفسهم ، فيكون على هذا أن سخط الله في موضع رفع بدل من ما انتهى . ولا يصح هذا سواء كانت موصولة ، أم تامة ، لأن البدل يحل محل المبدل منه ، وأن سخط لا يجوز أن يكون فاعلاً لبئس ، لأن فاعل نعم وبئس لا يكون أن والفعل . وقيل : إن سخط في موضع نصب بدلاً من الضمير المحذوف في قدّمت ، أي : قدّمته كما تقول : الذي ضربت زيداً أخوك تريد ضربته زيداً . وقيل : على إسقاط اللام أي : لأن سخط . .
{ وَفِى الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } لما ذكر ما قدّموا إلى الآخرة زاداً ، وذمّه بأبلغ الذم ، ذكر ما صاروا إليه وهو العذاب وأنهم خالدون فيه ، وأنه ثمرة سخط الله ، كما أن السخط ثمرة العصيان