@ 516 @ المحذوف المعادل لقوله : لفاسقون انتهى . ولا يحتاج إلى تقدير هذا . .
{ وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } أي متمردون مبالغون في الخروج عن طاعة الله . وقال ابن عباس : المراد بالفسق هنا الكفر . وقال مقاتل : المعاصي . وقال ابن زيد : الكذب وظاهر الناس العموم ، وإنْ كان السياق في اليهود ، وجاء بلفظ العموم لينبه من سواهم . ويحتمل أن يكون الناس للعهد ، وهم اليهود الذين تقدم ذكرهم . .
{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } هذا استفهام معناه الإنكار على اليهود ، حيث هم أهل كتاب وتحليل وتحريم من الله تعالى ، ومع ذلك يعرضون عن حكم الله ويختارون عليه حكم الجاهلية ، وهو بمجرد الهوى من مراعاة الأشرف عندهم ، وترجيح الفاضل عندهم في الدنيا على المفضول ، وفي هذا أشد النعى عليهم حيث تركوا الحكم الإلهي بحكم الهوى والجهل . وقال الحسن : هو عام في كل من يبتغي غير حكم الله . والحكم خكمان : حكم بعلم ، فهو حكم الله . وحكم بجهل فهو حكم الشيطان . وسئل عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية . وقرأ الجمهور : أفحكمَ بنصب الميم ، وهو مفعول يبغون . وقرأ السلمي ، وابن وثاب ، وأبو رجاء ، والأعرج : أفحكمُ الجاهلية برفع الميم على الابتداء . والظاهر أن الخبر هو قوله : يبغون ، وحسن حذف الضمير قليلاً في هذه القراءة كون الجملة فاصلة . وقال ابن مجاهد : هذا خطأ . قال ابن جني : وليس كذلك ، وجد غيره أقوى منه وقد جاء في الشعر انتهى . .
وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين . وبعضهم يجيز حذف هذا الضمير في الكلام ، وبعضهم يخصه بالشعر ، وبعضهم يفصل . وهذه المذاهب ودلائلها مذكورة في علم النحو . وقال الزمخشري : وإسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في ( أهذا الذي بعث الله رسولاً وعن الصفة في : الناس رجلان ، رجل أهنت ورجل أكرمت . وعن الحال في : مررت بهند تضرب زيداً انتهى . فإنْ كان جعل الإسقاط فيه مثل الإسقاط في الجواز والحسن ، فليس كما ذكر عند البصريين ، بل حذفه من الصلة بشروط الحذف فصيح ، وحذفه من الصفة قليل ، وحذفه من الخبر مخصوص بالشعر ، أو في نادر . وإن كان شبهه به من حيث مطلق الإسقاط فهو صحيح . وقال ابن عطية : وإنما تتجه القراء على أن يكون التقدير : أفحكم الجاهلية حكم تبغون ، فلا تجعل تبغون خبراً بل تجعل صفة خبر محذوف ، ونظيره : { مِنَ الَّذِينَ * يُحَرّفُونَ } تقديره قوم يحرفون انتهى . وهو توجيه ممكن . وقرأ قتادة والأعمش : أفحكَمَ بفتح الحاء والكاف والميم ، وهو جنس لا يراد به واحد كأنه قيل : أحكام الجاهلية وهي إشارة إلى الكهان الذين كانوا يأخذون الحلوان وهي رشا الكهان ، ويحكمون لهم بحسبه وبحسب الشهوات ، أرادوا بسفههم أن يكون خاتم النبيين حكماً كأولئك الحكام . وقرأ الجمهور : يبغون بالياء على نسق الغيبة المتقدّمة . وقرأ ابن عامر بالتاء على لخطاب ، وفيه مواجهتهم بالإنكار والرّدع والزجر ، وليس ذلك في الغيبة ، فهذه حكمة الالتفات والخطاب ليهود قريظة والنضير . .
{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي لا أحد أحسن من الله حكماً . وتقدّم { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ } فجاءت هذه الآية مشيرة لهذا المعنى والمعنى : أن حكم الله هو الغاية في الحسن وفي العدل . وهو استفهام معناه التقرير ، ويتضمن شيئاً من التكبر عليهم . واللام في : لقوم يوقنون ، للبيان فتتعلق بمحذوف أي : في هيت لك وسقيا لك أي : هذا الخطاب . وهذا الاستفهام لقوم يوقنون قاله الزمخشر . وقال ابن عطية : وحسن دخول اللام في لقوم من حيث المعنى يبين ذلك ، ويظهر لقوم