@ 75 @ أتؤمنون به مدة حياته ، فإن مات ارتددتم ، فتخالفوا سنن اتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم على ملل أنبيائهم بعد وفاتهم انتهى . وهذه نزعة زمخشرية . وقد تقدم الكلام معه في نحو ذلك . وأن هذه الفاء إنما عطفت الجملة المستفهم عنها على الجملة الخبرية قبلها ، وهمزة الاستفهام داخلة على جملة الشرط وجزائه . وجزاؤه ، هو انقلبتم ، فلا تغير همزة الاستفهام شيئاً من أحكام الشرط وجزائه . فإذا كانا مضارعين كانا مجزومين نحو : أإن تأتني آتك . وذهب يونس إلى أن الفعل الثاني يبني على أداة الاستفهام ، فينوي به التقديم ، ولا بد إذ ذاك من جعل الفعل الأول ماضياً لأن جواب الشرط محذوف ، ولا يحذف الجواب إلا إذا كان فعل الشرط لا يظهر فيه عمل لأداة الشرط ، فيلزم عنده أن تقول : أإن أكرمتني أكرمك . التقدير فيه : أكرمك أن أكرمتني ، ولا يجوز عنده إنْ تكرمني أكرمك بجزمهما أصلاً ، ولا إن تكرمني أكرمك بجزم الأول ورفع الثاني إلا في ضرورة الشعر . والكلام على هذه المسألة مستوفى في علم النحو . فعلى مذهب يونس : تكون همزة الاستفهام دخلت في التقدير على انقلبتم ، وهو ماض معناه الاستقبال ، لأنه مقيد بالموت أو بالقتل . وجواب الشرط عند يونس محذوف ، وبقول يونس : قال كثير من المفسرين في الآية قالوا : ألف الاستفهام دخلت في غير موضعها ، لأن الغرض إنما هو أتنقلبون على أعقابكم إن مات محمد . ودخلت إنْ هنا على المحقق وليس من مظانها ، لأنه أورد مورد المشكوك فيه للتردد بين الموت والقتل ، وتجويزُ قتله عند أكثر المخاطبين . ألا ترى إليهم حين سمعوا أنه قتل اضطربوا وفروا ، وانقسموا إلى ثلاث فرق ، ومن ثبت منهم فقاتل حتى قتل ؟ قال بعضهم : يا قوم إنْ كان محمد قد قتل فإنَّ رب محمد لم يقتل ، موتوا على ما مات عليه . وقال بعضهم : إنْ كان محمد قد قتل فإنه قد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم . فهذا يدل على تجويز أكثر المخاطبين لأن يقتل . فأمَّا العلم بأنه لا يقتل من جهة قوله تعالى : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } فهو مختص بالعلماء من المؤمنين وذوي البصيرة منهم ، ومن سمع هذه الآية وعرف سبب نزولها . .
{ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً } أي مَنْ رجع إلى الكفر أو ارتدّ فاراً عن القتال وعن ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ) من أمر الجهاد على التفسيرين السابقين . وهذه الجملة الشرطية هي عامة في أنَّ كل من انقلب على عقبيه فلا يضر إلا نفسه ، ولا يلحق من ذلك شيء لله تعالى ، لأنه تعالى لا يجوز عليه مضار العبد . ولم تقع ردّة من أحد من المسلمين في ذلك اليوم إلا ما كان من قول المنافقين . .
وقرأ الجمهور على عقبيه بالتثنية . وقرأ ابن أبي إسحاق على عقبه بالإفراد ، وانتصاب شيئاً على المصدر . أي : شيئاً من الضرر لا قليلاً ولا كثيراً . والانقلاب على الأعقاب أو على العقبين أو العقب من باب التمثيل مثّل من يرجع إلى دينه الأول بمن ينقلب على عقبيه . وتضمنت هذه الجملة الوعيد الشديد . .
{ وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } وعد عظيم بالجزاء . وجاء بالسين التي هي في قول بعضهم : قرينة التفسير في الاستقبال ، أي : لا يتأخر جزاء الله إياهم عنهم . والشاكرين هم الذين صبروا على دينه ، وصدقوا الله فيما وعدوه ، وثبتوا . شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام ، ولم يكفروها ، كأنس بن النضر ، وسعد بن الربيع ، والأنصاري الذي كان يتشخط في دمه ، وغيرهم ممن ثبت ذلك اليوم . .
والشاكرون لفظ عام يندرج فيه كل شاكر فعلاً وقولاً . وقد تقدم الكلام على الشكر . وظاهر هذا الجزاء أنه في الآخرة . وقيل : في الدنيا بالرزق ، والتمكين في الأرض . وفسروا الشاكرين هنا بالثابتين على دينهم قاله : علي . وقال هو والحسن بن أبي الحسن أبو بكر ، أمير الشاكرين يشيران إلى ثباته يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، واضطراب الناس إذ ذاك ، وثباته في أمر الردة وما قام به من أعباء الإسلام . وفسر أيضاً بالطائعين . .
{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } قال الزمخشري : المعنى أن موت الأنفس محال أنْ تكون إلا