والشَّهِيدُ في أَسماءِِ الله تعالى : الأَمينُ في شَهادَةٍ ونصّ التكملة : في شهادَتِه . قاله أَبو إِسحاق وقال أَيضاً : وقيل : الشَّهِيد في أسمائِهِ تعالى : الذي لا يَغِيبُ عن عِلْمه شَيئٌ والشَّهِيدُ : الحاضِرُ . وفَعِيلٌ من أَبْنِيَةِ المبالغةِ في فاعل فإِذا اعتُبِر العِلمُ مُطْلَقاً فهو العَلِيمُ وإذا أُضِيفَ إلى الأُمُورِ الباطِنَةِ فهو الخَبِيرُ وإذا أُضِيفَ إلى الأُمورِ الظاهِرَةِ فهو الشَّهِيدُ . وقد يُعْتَبَرُ مع هذا أن يَشْهَدَ على الخَلْقِ يومَ القيامَة . والشَّهِيد في الشَّرْعِ : القَتِيل في سَبيلِ اللهِ واختُلف في سبب تَسمية فقيل : لأَنَّ ملائِكَةَ الرَّحْمَةِ تَشْهَدُهُ أَي تَحْضُر غُسْلَه أو نَقْلَ رُوحِه إلى الجَنَّة أَو لأَنَّ اللهَ وملائِكَتَه شُهودٌ له بالجَنَّةِ كما قال ابن الأَنبارِيّ . أَو لأَنّهُ مِمَّن يُسْتَشْهَدُ يومَ القيامةِ مع النبي A على الأُمَمِ الخاليَةِ التي كَذَّبت أَنبياءها في الدُّنيا . قال الله Dَّ : " لتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسِ ويكونَ الرَّسولُ عليْكُمْ شَهِيداً " وقال أبو إسحاق الزَّجَّاج : جاءَ في التفسير أَنَّ أُمَمَ الأَنبياءِ تُكَذِّبُ في الآخرةِ من أُرسِلَ إليهم فيَجْحَدُون أَنبياءَهُم هذا فيمن جَحَدَ في الدُّنْيا منهم أَمْرَ الرُّسلِ فتَشْهَدُ أُمَّةُ محمدٍ A بصِدْق الأَنبياءِ وتَشْهَدُ عليهم بتَكْذِيبِهم ويَشْهَدُ النبي A لهذه الأُمّةِ بصِدْقِهِم . قال أبو منصور : والشِّهادةُ تكون للأَفضلِ فالأَفضلِ من الأُمْة فأَفْضَلُهم مَن قُتِلَ في سبيلِ اللهُ مُيِّزُوا عن الخَلق بالفضْل وبيَّن اللهُ أَنَّهُم " أَحياءٌ عِنْدَ ربِّهم يُرْزَقُون فَرحِينَ بما آتاهُم الله من فَضْلِه " ثم يَتْلُوهُم في الفَضْلِ من عَدَّه النَّبيُّ A شَهِيداً فإنه قال : " المَبْطُونُ شَهِيدٌ والمَطْعُون شَهِيد " قال : ومنهم أَن تموتَ المَرْأَةُ بِجُمْعٍ . وقال ابن الأُثير : الشًّهِيد في الأَصل : من قُتِلَ مُجَاهِداً في سبيلِ الله ثم اتُّسِعَ فيه فأُطلقَ على من سَمَّاه النَّبيُّ A من المَبْطُون والغَرِقِ والحَرِقِ وصاحِب الهَدْم وذاتِ الجَنْب وغيرهم . أَو لِسُقُوطِهِ على الشَّاهِدَةِ أَي الأرض نقله الصاغاني أو لأَنه حَيٌّ لم يَمُتْ كأَنّه عِنْدَ رَبّهِ شاهدٌ أَي حاضِرٌ كذا جاء عن النَّضْر بن شُمَيْل . ونقله عنه أَبو داوود . قال أَبو منصور : أُراه تَأَوَّلَ قولَ اللهِ عَزَّ وجلُّ : " ولا تَحْسَبَنَّ الذينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ " كأَنَّ أَرواحَهم أُحْضِرَت دارَ السلامِ أَحياءُ وأَرواحُ غيرِهم أُخِّرَت إلى البَعْثِ . قال : وهذا قولٌ حَسَنٌ . أَو لأَنَّه يَشْهَدُ مَلَكُوتَ اللهِ ومُلْكَهُ المَلَكُوت : عالَمُ الغَيْبِ المُخْتَصًّ بأرْوَاحِ النُّفُوسِ . والمُلْكُ : عالَمُ الشَّهادةِ من المَحْسوساتِ الطّبيعٍيّة . كذا في تعريفات المناويّ .
فهذه سِتَّةُ أَوْجُهٍ في سَببِ تَسمِيةِ الشَّهِيد . وقيل : لِقيامه بشهادَةِ الحَقِّ في أَمْرِ الله حتَّى قُتِل . وقيل : لأَنّه يَشْهَدُ ما أَعدَّ اللهُ له من الكرامةِ بالقَتْلِ . أَو لأَنّه شَهِدَ المغَازِيَ أَو لأَنّه شُهِدَ له بالإيمانِ وخاتِمةِ الخَيْرِ بظاهرِ حالِه أَو لأَنّ عليه شاهِداً يَشْهَدُ بِشَهادَتِه وهو دَمُه .
وهذه خَمسَةُ أَوجهٍ أُخْرَى فصار المجموع منها أَحدَ عَشَرَ وَجْهاً . وما عدا ذلك فمرجوعٌ إلى أَحدِ هؤلاء عند المتأَمِّل الصادق . قال شيخنا : وقد اختَلَفُوا في اشتقاقه هل هو من الشَّهَادة أَو من المُشَاهَدة أَو الشُّهُود أَو هو فَعِيل بمعنَى مفعول أَو بمعنى فاعل . وذكروا لكُلِّ أَوْجُهاً . ذكر أَكثر ذلك مُحَرَّراً مُهذَّباً الشيخُ أَبو القاسم السُّهيليّ في الروض الأُنُف بما لا مَزِيد عليه