- قال الجاحظ : .
للعرب إقدام على الكلام ثقة بفهم المخاطب من أصحابهم عنهم كما جوَّزوا قوله : أكله الأسود وإنَّما يذهبون إلى النَّهْشِ واللذع والعضِّ وأكل المال وإنَّما يذهبون إلى الإفناء كما قال الله عزَّ وجلَّ : " إنَّ الذينَ يَأكلونَ أمْوال اليَتامى ظُلْماً إنَّما يأكُلونَ في بُطونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَونَ سَعيراً " .
ولعلَّهم شربوا بتلك الأموال الأنبذة ولبسوا الحلل وركبوا الهماليج ولم ينفقوا منها درهما في سبيل الله إنما أُكِلَ .
وجَوَّزوا : أكَلَتْهُ النَّار وإنَّما أُبطلت عينه .
وجوَّزوا أيضاً أن يقولوا : ذُقت لما ليس يُطعم وهو قول الرجل إذا بالغ في عقوبة عبده : ذُق وكيف ذقته ؟ أي وجدت طعمه . قال الله عزّ وجلّ : " ذُقْ إنَّكَ أنتَ العَزيزُ الكَريمُ " وقال عزَّ من قائل : " فأذاقها اللهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوفِ بِما كانوا يَصْنَعون " وقال تعالى : " فَذَاقوا وَبالَ أمْرِهِمْ " . ثم قالوا : طَعِمتَ لغير الطعام كما قال المَرجيُّ : .
فإن شئتُ حَرَّمْتُ النساء سِواكُمُ ... وإن شِئتُ لم أطْعَم نُقاخاً ولا بَرْدا .
قال الله تعالى : " فمَن شَرِبَ مِنه فَليسَ منِّي ومن لمْ يَطْعَمهُ فإنَّهُ منِّي " يريد : ومن لم يذق طعمه . ولما قال خالد بن عبد الله في هزيمة له : أطْعِموني ماء قال الشاعر : .
بَلَّ السَّراويلَ مِنْ خَوفٍ ومِنْ دَهَشٍ ... واستَطْعَمَ الماء لما جَدَّ في الهَرَبِ .
فبلغ ذلك الحجاج فقال : ما أيسر ما تَعَلَّق فيه يا ابن أخي أليس الله تعالى يقول : فَمَن شَرِب منه فليس منِّي ومن لم يَطعَمهُ فإنَّهُ منِّي " .
قال الجاحظ : في قوله تعالى : " إنَّ الله لا يَسْتَحْيي أنْ يَضْرِبَ مَثَلا ما بَعوضَةً فما فوقَها " يريد فما دونها وهو كقول القائل : فلان أسفل الناس فتقول : وفوق ذلك تضع قولك ( فوق ) مكان قولهم : هو شرٌ من ذلك . وقال الفَرَّاء : فما فوقها في الصِّغَر والله أعلم .
قال المُبرد : من الآيات التي ربما يَغْلَط في مجازها النحويون قول الله تعالى : " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلِيَصُمْهُ " والشهر لا يغيب عن أحد . ومجاز الآية : فمن كان منكم شاهد بلدة في الشهرَ فليصمه والتقدير : فمن كان شاهدا في شهر رمضان فليصمه ونصب ( الشهرَ ) للظرف لا نصب المفعول