أمير المؤمنين قال فضع يدك على رأسك واحلف أنك لا تقيم ببغداد ففعلت وأحدثت عهدا بإخواني ومنزلي وأتي إلي بزورق ففرش لي فيه ومضيت حتى إذا صرت بين دير هرقل ودير العاقول إذا شاب على الشط يقول يا ملاح رجل غريب يريد دير العاقول فاحملني يأجرك الله فقلت يا غلام قرب له فقال جعلت فداك يؤذيك ويضيق عليك فقلت قرب له لا أم لك فقرب له وحمله على مؤخر الزورق وحضر الطعام فهممت أن لا أدعوه إلى طعامي ثم قلت هلم يا فتى فوثب وجلس فأكل أكل جائع نهم إلا أنه نظيف الأكل فلما فرغ من الطعام أحببت أن يفعل ما يفعل العوام فيتنحى ويغسل يديه ناحية فلم يفعل فغمزه الغلمان ليقوم فلم يفعل فتناومت عمدا لينهض فلم يفعل فاستويت جالسا وقلت يا فتى ما صناعتك فقال جعلت فداك أنا حائك فقلت في نفسي أنا والله جلبت هذه البلية وتغير لوني ففطن أني استثقلته فقال جعلت فداك أنك قد سألتني عن صناعتي فأجبتك فأنت ما صناعتك فقلت هذه والله أضر من الأولى ألا ينظر إلى غلماني ونعمتي فيعلم أن مثل هذا لا يسأل عن الحرفة ولم أجد بدا من الجواب فلم أذهب إلى المرتبة العظمى من الوزارة لكني قربت عليه فقلت أنا كاتب فقال جعلت فداك الكتاب خمسة فأيهم أنت فأورد علي ما لم أسمع به قبل فقلت بينهم لي قال نعم هم كاتب رسائل يحتاج إلى أن يعرف المفصول والموصول والمقصور والممدود والابتداء والجواب حاذقا بالعقود والفتوح قلت أجل وماذا قال كاتب خراج يحتاج أن يعرف السطوح والمساحة والتقسيط خبيرا بالحساب والمقاسمات قلت وماذا قال كاتب قاض يحتاج أن يعرف الحلال والحرام والتأويل