يجيءَ منه الفعلُ وممّن يجيءُ منه وأن يكونَ بتلك المثابة . تفسيرُ ذلك أنك إِذا قلتَ : أأنت تَمنعُني أأنت تأخذُ على يدي صرتَ كأنك قلتَ : إِنَّ غيركَ الذي يستطيعُ منعي والأخذَ على يدي ولستَ بذاك ولقد وضعتَ نفسَك في غيرِ موضعِك . هذا إِذا جعلتَه لا يكونُ منه الفعلُ للعجزِ ولأنه ليس في وُسْعهِ . وقد يكونُ أن تجعلَه لا يحيءُ منه لأنه لا يختارُه ولا يرتضيهِ وأنَّ نفسَه نفسٌ تأبى مثلَه وتكرهُه . ومثالُه أن تقولَ : أهوَ يسألُ فلاناً هو أرفعُ همةً من ذلك . أهوَ يمنعُ الناسَ حقوقَهم هو أكرمُ من ذاك . وقد يكونُ أن تجعلَه لا يفعلُه لصِغَرِ قَدْرهِ وقِصَرِ هِمَّتهِ وأنَّ نفسَه نفسٌ لا تَسمو وذلك قولُك : أهوَ يسمَحُ بمثلِ هذا أهوَ يرتاحُ للجميل هو أقصرُ همَّةً من ذلك وأقلُّ رغبةً في الخيرِ مما تظُنُّ .
وجُمْلةُ الأَمرِ أنَّ تقديمَ الاسم يَقتضي أنَّك عَمَدْتَ بالإِنكارِ إِلى ذات مَنْ قيلَ إِنَّه يفعلُ أو قالَ هو : إني أفعلُ . وأردتَ ما تريدُه إِذا قلتَ : ليسَ هوَ بالذي يفعلُ وليس مِثْلَهُ يفعل . ولا يكونُ هذا المعنى إِذا بدأتَ بالفعل فقلتَ : أتفعلُ أَلا تَرى أنَّ المُحالَ أنْ تزعُمَ أنَّ المعنى في قولِ الرَّجُل لصاحبهِ : أتخرجُ في هذا الوقتِ أتغررُ بنفسِك أتمضي في غيرِ الطريق أنَّه أنكرَ أن يكونَ بمثابةِ مَن يفعلُ ذلك وبموضعِ مَن يجيءُ منه ذاك . ذاكَ لأنَّ العلمَ محيطٌ بأنَّ الناسَ لا يريدونَه وأنه لا يليقُ بالحالِ التي يُستعمل فيها هذا الكلام . وكذلك محالٌ أن يكونَ المعنى في قولِهِ جَلَّ وعلا : ( أَنُلْزمُكُمُوها وأَنتمُ لها كارِهون ) أنّا لسنا بمثابةِ مَن يجيءُ منه هذا الإِلزامُ وأنَّ غيرَنا من يفعلُه - جلَّ الله تعالى - وقد يَتوهَّم المتوهَّمُ في الشيءِ من ذلك أنه يحتملُ فإِذا نظر لم يحتملْ فمن ذلك قولُه : .
( أيقتلُني والمشرفيُّ مُضاجِعي ... ) .
وقد يظُنُّ الظانُّ أنه يجوزُ أن يكونَ في معنى أنه ليس بالذي يجيءُ منه أن يقتلَ مثلي ويتعلَّقُ بأنّه قالَ قَبْلُ : .
( يَغُطُّ غَطيطَ البَكْرِ شُدَّ خِنَاقُهُ ... لِيَقْتُلَنِي والمَرْءُ ليسَ بقتَّالِ )