يقولوا ذلك له عليه السلام وهم يريدون أن يُقِرَّ لهم بأنَّ كسرَ الأصنام قد كانَ ولكن أن يُقِرَّ بأنَّه منه كان . وقد أشاروا له إِلى الفِعل في قولهم : ( أأنتَ فعلتَ هذا ) . وقال هو عليه السلام في الجواب : ( بل فعلَهُ كبيرُهم هذا ) . ولو كان التقريرُ بالفعلِ لكان الجوابُ : فعلتُ أو لم أَفْعَلْ فإِن قلتَ : أو ليسَ إِذا قال : " أفعلتَ " فهو يريدُ أيضاً أن يقرره بأنَّ الفِعلَ كان منه لا بأنه كان على الجملة فأيُّ فرقٍ بينَ الحالين فإِنَّه إِذا قال : " أفعلتَ " فهو يقرره بالفعلِ من غيرِ أن يرددَه بينه وبين غيره وكان كلامهُ كلامَ مَن يُوهم أنه لا يدري أن ذلك الفعل كان على الحقيقةِ . وإِذا قال : أأنت فعلتَ كان قد ردَّد الفعلَ بينهُ وبين غيره ولم يكنْ منهُ في نفيِ الفعل تردُّدٌ . ولم يكنْ كلامُه كلامَ من يُوهُم أنه لا يدري أكانَ الفعلُ أم لم يكن , بدلالةِ أنّك تقولُ ذلك والفعلُ ظاهرٌ موجودٌ مشارٌ إِليهِ كما رأيتَ في الآية .
واعلمْ أنَّ الهمزةَ فيما ذكرنا تقريرٌ بفعلٍ قد كان وإِنكارٌ له لِمَ كان وتوبيخٌ لفاعلهِ عليه . ولها مذهبٌ آخَرُ وهو أن يكونَ لإِنكارِ أن يكونَ الفعلُ قد كانَ مِن أصله . ومثالُه قولُه تعالى : ( أَفأَصْفَاكُمْ رَبُّكْمْ بالبَنينَ واتَّخَذَ من المَلائِكَةِ إِناثاً إِنّكُمْ لَتَقولونَ قَوْلاً عظِيماً ) وقولُه عَزَّ وجَلَّ : ( أَصْطَفَى البَناتِ عَلى البَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمون ) . فهذا ردٌّ على المشركين وتكذيبٌ لهم في قولِهم ما يُؤدي إِلى هذا الجهلِ العظيم . وإِذا قُدَّم الاسمُ في هذا صار الإِنكار في الفاعل ومثالُه قولُك للرجل قد انتحلَ شعراً : أأنت قلتَ هذا الشعرَ كذبتَ لَسْتَ ممن يُحسِنُ مثلَه . أنكرتَ أن يكون القائلُ ولم تُنكر الشعرَ . وقد تكونُ إذْ يراد إِنكارُ الفعلِ من أصلِه ثم يُخْرج اللفظُ مُخرجَه إِذا كان الإِنكار في الفاعل مثالُ ذلك قولُه تعالى : ( قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ) الإِذنُ راجعٌ إِلى قوله : ( قُلْ أَرَأَيْتُم ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْه حَرَاماً وحَلاَلاً ) . ومَعْلومٌ أنَّ المعنى على إِنكارِ أنْ يكونَ قد كانَ منَ الله تعالى