أخذتَ في نوعِ منَ الاتَّساع وبعد أن تلطّفتَ على الجملةِ ضرَباً منَ التلطُّف . وكيف يُتَصوَّرُ أنْ يصعبَ مرامُ اللّفظ بسبب المعنى وأنتَ إن أردتَ الحقَّ لا تطلبُ اللفظَ بحالٍ وإنَّما تطلبُ المعنى وإِذا ظفرتَ بالمَعنى فاللفظُ معكَ وإِزاءَ ناظرِك وإِنما كان يتصورُ أن يصعبَ مرامُ اللَّفظ من أجلِ المعنى أنْ لو كنتَ إذا طلبتَ المعنى فحصّلْتَهُ احتجْتَ إلى أن تطلبَ اللّفظَ على حدةٍ وذلك مُحَال .
هذا وإِذا توهَّم متوهَّمٌ أنّا نحتاجُ إلى أنْ نطلبَ اللّفظَ وأنَّ من شأنِ الطّلبِ أنْ يكونَ هناك فإِنَّ الذي يتوهَّم أنَّه يحتاجُ إلى طلبهِ هو ترتيبُ الألفاظ في النُّطقِ لا مَحالةَ . وإِذا كان ذلك فينبغي لنا أنْ نرجعَ إلى نفوسِنا فننظرَ هل يتصورُ أن نُرتَّبَ معاني أسماءٍ وأفعالٍ وحروفٍ في النَّفس ثم تخفَى علينا مواقِعها في النُّطق حتى يُحتاجَ في ذلك إلى فكرٍ ورويَّةٍ وذلك ما لا يشُكُّ فيه عاقلٌ إذا هو رَجعَ إلى نفسهِ .
وإِذا بطلَ أنْ يكونَ ترتيبُ اللّفظ مطلوباً بحالٍ ولم يكنِ المطلوبُ أبداً إلا ترتيبَ المعاني وكان معوَّلُ هذا المخالفِ على ذلك فقد اضمحلَّ كلامُه وبانَ أنه ليس لمن حامَ في حديثِ المزيَّةِ والإِعجازِ حولَ اللّفظ ورامَ أن يجعلَه السَّببَ في هذه الفضيلةِ إلاَّ التسكُّعُ في الحَيرة والخُروجُ عن فاسدٍ منَ القول إلى مثلهِ . واللِه الموفّقُ للصَّواب .
فإِن قيل : إذا كانَ اللّفظُ بمعزلٍ عنِ المزيَّةِ التي تنازعْنا فيها وكانت مقصورةً على المعنى فكيف كانتِ الفصاحةُ من صفاتِ اللّفظِ البتَّةَ وكيف امتنعَ أن يوصفَ بها المعنى فيقال : معنىً فصيحٌ وكلام فصيحُ المعنى قيل : إنَّما اختصَّت الفصاحةُ باللّفظِ وكانت من صفتِه من حيثُ كانت عبارةً عن كونِ اللّفظِ على وصفٍ إذا كان عليه دلَّ على المزيّةِ التي نحنُ في حديثها وإِذا كانت لكونِ اللّفظ دالاً استحالَ أن يوصَف بها المعنى كما يستحيلُ أن يوصفَ المعنى بأنه دالٌ مثلاً فاعرفْه .
فإِن قيل : فماذا دعا القدماء إلى أن قَسموا الفضيلةَ بينَ المعنى واللّفظ فقالوا : معنىً لطيفٌ ولفظٌ شريف وفخَّموا شأنَ اللَّفظِ وعظَّموه حتّى تبعَهُم في ذلك مَن بعدَهم وحتّى قالَ أهلُ النَّظر : إنّ المعاني لا تتزايَدُ وإِنما تتزايدُ الألفاظُ . فأطلقوا كما ترى كلاماً يوهِمُ