يُعْتَبَرُ حالُها مع غيرها . وإِنْ أردتَ الثاني - ولا بُدَّ لك من أنْ تريدَه - فإِنَّ هاهُنا أصلاً مَنْ عَرَفه عرفَ سقوطَ هذا الاعتراض وهو أن يعلمَ أنَّ سبيلَ المعاني سبيلُ أشكالِ الحُليِّ كالخاتَم والشَّنْف والسِّوار . فكما أنَّ من شأن هذه الأَشكالِ أن يكونَ الواحدُ منها غُفْلاً ساذجاً لم يعمل صانعُه فيه شيئاً أكثرَ من أنْ يأتيَ بما يقعُ عليه اسمُ الخاتم إِن كان خاتماً والشَّنْف إِن كان شَنفاً وأن يكون مصنوعاً بديعاً قد أغربَ صانعُه فيه . كذلك سبيلُ المعاني أن ترى الواحدَ منها غُفلاً ساذجاً عامياً موجوداً في كلام الناس كلِّهم . ثم تراهُ نفسَه وقد عَمَدَ إِليه البصيرُ بشأن البلاغة وإِحداثِ الصُّوَر في المعاني فيصنعُ فيه ما يصنعُ الصَّنَعُ الحاذق حتى يُغرِبَ في الصنعة ويُدِقَّ في العمل ويبدعَ في الصياغة . وشواهدُ ذلك حاضرةٌ لك كيفَ شئتَ وأمثلتُه نُصبَ عينيك من أين نظرتَ تنظرُ إِلى قول الناس : الطَّبعُ لا يتغيَّر ولستَ تستطيعُ أن تخرجَ الإِنسانَ عما جُبِل عليه فترى معنًى غُفلاً عامياً معروفاً في كل جيلٍ وأمة . ثم تنظرُ إِليه في قولِ المتنبي - المتقارب - : .
( يُرادُ مِنَ القَلْبِ نِسْيَانُكُمْ ... وتَأْبى الطِّباعُ عَلَى النَّاقِلِ ) .
فتجدُه قد خَرَجَ في أحسنِ صورة وتراه قد تحوَّل جوهرةً بعد أنْ كان خرزةً وصارَ أعجبَ شيءٍ بعد أنْ لم يكن شيئاً .
وإِذ قد عرفتَ ذلك فإِن العقلاءَ إِلى هذا قَصدوا حين قالوا : إِنه يصحُّ أن يعبَّر عن المعنى الواحد بلفظين ثم يكونُ أحدُهما فصيحاً والآخرُ غيرَ فصيح كأنَّهم قالوا : إِنه يصحُّ أنْ تكون هاهنا عبارتان أصلُ المعنى فيهما واحد ثم يكونُ لإِحداهما في تحسينِ ذلك المعنى وتزيينه وإِحداثِ خصوصية فيه تأثيرٌ لا يكونُ للأخرى .
واعلمْ أنَّ المخالفَ لا يخلو من أنْ يُنْكِرَ أن يكون للمعنى في إِحدى العبارتين حُسنٌ ومزية يكونان له في الأخرى وأن تَحْدُثَ فيه على الجملة صورةٌ لم تكن أو يعرف ذلك . فإِن أنكرَ لم يكلّم لأنه يؤديه إِلى أن لا يجعلَ للمعنى في قوله