( ولكُم في القِصاصِ حياةٌ ) وبين : " قتلُ البعضِ إحياءٌ للجميع " خطأ منهم لأنّا لا نعلمُ لحديثِ التَّحريكِ والتسكين وحديثِ الفاصلةِ مذهباً في هذه الموازنة . ولا نعلمهم أرادوا غير ما يريدُه الناسُ إذا وازنوا بين كلام وكلام في الفصاحةِ والبلاغةِ ودقَّةِ النظم وزيادة الفائدة . ولولا أنَّ الشيطان قد استحوذ على كثيرٍ من الناس في هذا وأنهم بترك النظر وإهمالِ التدبُّرِ وضعفِ النِّية وقِصَر الهمَّة وقد طرَّقوا له حتى جَعَل يلقي في نفوسِهم كلَّ مُحال وكلَّ باطِل وجعلوا هُمْ يُعطون الذي يلقيهِ حظاً من قَبولهم ويبوِّؤنه مكاناً من قلوبهم لما بلغَ من قَدْر هذه الأقوالِ الفاسِدة أن تدخُل في تصنيفٍ ويعادَ ويُبدأ في تبيينٍ لوجهِ الفسادِ فيها وتعريف .
ثم إنَّ هذه الشَّناعاتِ التي تقدَّم ذكرُها تُلزمُ أصحابَ الصَّرفة أيضاً . وذاكَ أنه لو لم يكنْ عَجْزُهم عن معارضةِ القرآن وعن أن يأتوا بمثلِه لأنه معجزٌ في نفسه لكن لأن أدخلَ عليهم العجْز عنه وصُرِفَتْ هِمَمهم وخواطِرُهم عن تأليفِ كلامٍ مثلِه . وكان حالُهم على الجملةِ حالَ من أُعْدِمَ العلمَ بشيء قد كان يعلَمُه وحِيلَ بينه ويبن أمرٍ قد كانَ يتَّسِعُ له لكانَ ينبغي أن لا يتعاظَمَهم ولا يكونَ ومنهم ما يدلُّ على إكبارِهم أمْرَه وتعجُّبِهم منه وعلى أنَه قد بَهَرهم وعَظُم كلَّ العِظَم عندَهم ولكانَ التعجُّبُ للذي دخلَ من العَجْزِ عليهم ولِما رأَوْه من تَغَيُّرِ حالهم ومن أنْ حِيل بينَهم ويبنَ شيءٍ قد كانَ عليهم سهلاً وأنْ سُدَّ دونَه بابٌ كانَ لهم مفتوحاً . أرأيتَ لو أن نبياً قال لقومِهِ : " إن آيتي أن أضعَ يدي على رأسي هذه الساعةَ وتُمْنَعونَ كلُّكم من أن تستطيعوا وضعَ أيديكم على رؤوسِكم " وكان الأمْرُ كما قال . كم يكون تعجبُ القوم أمن وضعِه يدَه على رأسهِ أم من عَجْزِهم أن يضعوا أيديَهم على رؤوسهم .
ونعودُ إلى النسقِ فنقولُ : فإِذا بَطَلَ أن يكونَ الوصْفُ الذي أعجزَهم من القرآنِ في شيءٍ ممّا عدَدَناه لم يبقَ إلاّ أن يكونَ في الاستعارة . ولا يمكنُ أن تجعلَ الاستعارة الأصل في الإعجاز وأن يُقْصَرَ عليها لأن ذلك يؤدي إلى أنْ يكونَ الإِعجازُ في آيٍ معدودةٍ في مواضعَ من السورِ الطوالِ مخصوصةٍ . وإِذا امتنعَ ذلك فيها لم يبقَ إلا أن يكونَ في النظم والتأليفِ لأنه ليس من بَعدِ ما أبطلنا أن يكونَ فيه إلا النظمُ . وإذا ثبت أنه في النظمِ