أَحدُهما أن يكونَ القارىءُ له أرادَ التنوينَ ثم حَذَفه لالتقاءِ الساكَنْين ولم يحركه كقراءة من قرأ : ( قُلْ هوَ اللهُ أحدُ اللهُ الصَّمدُ ) بتركِ التَنوين من " أحد " : وكما حُكي عن عُمارةَ بنِ عَقيلٍ أنه قرأ ( ولا الليلُ سابقُ النَّهارَ ) بالنصب فقيلَ له : ما تريدُ فقال : أريدُ " سابقٌ النهار " . قيل : فهلاّ قلتَه . فقال : فلو قلتُه لكان أوزَنَ . وكما جاءَ في الشعر من قوله - المتقارب - : .
( فألفيتُهُ غَيْرَ مُسْتعتِبٍ ... ولا ذاكِرَ اللهَ إلاّ قليلاً ) .
إلى نظائرِ ذلك . فيكونُ المعنى في هذه القراءة مثلَه في القراءة الأخرى سَواء .
والوَجهُ الثاني : أن يكون الابنُ صفةً ويكونَ التنوينُ قد سقط على حدِّ سقوطه في قولنا : جاءني زيدُ بنُ عمرٍو ويكونَ في الكلام محذوف . ثم اختلفوا في المحذوف فمنهم من جعله مبتدأ فقدّر " وقالتِ اليهودُ هو عُزيرُ ابنُ الله " ومنهم من جَعَله خبراً فقدَّر وقالت اليهودُ : " عزيرُ ابنُ الله معبودنا " وفي هذا أمرٌ عظيم . وذلك أنك إِذا حكَيْتَ عن قائل كلاماً أنتَ تريدُ أن تكذِّبه فيه فإِن التكذيبَ ينصرفُ إلى ما كان فيه خبراً دون ما كان صفة . تفسيرُ هذا أنك إِذا حكَيْتَ عن إنسانٍ أنَّه قال : زيدُ بنُ عمرٍو سيّدٌ ثم كذَّبته فيه ولم تكن قد أنكرتَ بذلك أن يكون زيدَ بنَ عمرٍو ولكن أنْ يكونَ سيداً . وكذلك إذا قال : زيدٌ الفقيهُ قد قَدِم فقلتَ له : كذبتَ أو غلطتَ لم تكن قد أنكرتَ أن يكون زيدٌ فقيهاً ولكن أن يكون قد قدم .
هذا ما لا شُبهة فيه وذلك أنك إذا كذَّبت قائلاً في كلامٍ أو صدّقتَه فإِنما ينصرفُ التكذيبُ منك والتصديقُ إلى إثباته ونفيهِ . والإِثباتُ والنفيُ يتناولان الخبرَ دونَ الصفة يدلُّك على ذلك أنك تجدُ الصفةَ ثابتةً في حالِ النفي كثبوتِها في حال الإِثبات . فإِذا قلتَ : ما جاءني زيدٌ الظريفُ كان الظَّرفُ ثابتاً لزيدٍ كثبوته إذا قلت : جاءني زيدٌ الظريف . وذلك أنْ ليس ثبوتُ الصفة للذي هي صفةٌ له بالمتكلم وبإِثباته لها فتنتفي بنفيهِ . وإنما ثبوتُها بنفسها