إِلى أنَّه على كلامين وأنَّ زيداً منصوبٌ بفعلٍ مضمَرٍ حتى كأن المتكلِّمَ بذلك أَبْهَمَ في أوَّلِ أمرِه فقال : ما ضَرَبَ إِلا عمرٌو . ثم قيلَ له : مَنْ ضَرَبَ فقال : ضَربَ زيداً .
وهاهنا - إِذا تأملتَ - معنًى لطيفٌ يوجِبُ ذلكَ وهو أَنَّكَ إِذا قلتَ : " ما ضرب زيداً إِلا عمرٌو " كان غرضُك أن تَختَصَّ عَمْراً بضربِ زَيْدٍ لا بالضربِ على الإِطلاق . وإذا كانَ كذلِكَ وجبَ أن تُعَدِّيَ الفِعْلَ إِلى المفعولِ من قَبْلِ أن تذكُرَ عمراً الذي هو الفاعلُ لأنَّ السَّامعَ لا يعقِلُ عنكَ انك اختصَصْتَه بالفعلِ معدًّى حتّى تكونَ قد بدأتَ فعدّيتَه . أعني : لا يفهمُ عنكَ أنك أَردْتَ أن تختصَّ عمراً بضربِ زيدٍ حتى تذكرَه له مُعَدًّى إِلى زيدٍ . فأما إِذا ذكرتَه غيرْ معدًى فقلت : ما ضربَ إِلاَّ عمرٌو . فإِنَّ الذي يقع في نفسِه أنك أردتَ أن تزعُمَ أنه لم يَكُنْ من أحدٍ غيرِ عمروٍ ضَرْبٌ وأنه ليس هاهنا مضروبٌ إِلاّ وضاربُه عمرٌو فاعرِفْه أصلاً في شأنِ التقديم والتأخير