( وَهُوَ الضَّارِبُ الكتيبةَ والطَّعْنة ... تغلو والضَّربُ أَغْلى وَأَغْلَى ) .
واشباهُ ذلك كلُّها أخبارٌ فيها معنى الجنسية وأنها في نوعِها الخاصِّ بمنزلِة الجنسِ المُطلَقِ إذا جعلتَه خَبراً فقلتَ : أنتَ الشجاعُ وكما أنك لا تقصِدُ بقولك : أنت الشجاعُ إلى شجاعةٍ بعينها قَدْ كانت وعُرِفَتْ من إنسان . وأردتَ أن تعرِفَ ممن كانت بل تريدُ أن تَقْصُرَ جنسَ الشجاعة عليه ولا تجعلَ لأحدٍ غيرهِ فيه حظّاً . كذلك لا تقصِدُ بقولك : " أنت الوفٌّي حين لا يَفي أحدٌ " إلى وفاءٍ واحدٍ كيفَ وأنتَ تقول : " حينَ لا يفي أحدٌ " . وهكذا محالٌ أنَ يَقْصِدَ من قولِه : " هُوَ الواهبُ المئةَ المصطفاةَ " إلى هِبَةٍ واحدةٍ لأنه يَقْتضي أنْ يقصِدَ إلى مِئةٍ منَ الإبلَ قد وهَبها مرةً ثم لم يَعُدْ لمثلها . ومعلومٌ أنه خلافُ الغرضِ . لأن المعنى أنه الذي من شأنِه أن يَهَبَ المئةَ أبداً والذي يبلغُ عطاؤه هذا المبلغَ كما تقول : هو الذي يُعطي مادِحَه الألفَ والألفين وكقوله - الرجز - : .
( وحاتمُ الطائيُّ وهّابُ المِئي ... ) .
وذلك أوضحُ من أن يَخْفَى . وأصلٌ آخرُ وهو أن مِنْ حَقِّنا أن نَعْلَمَ أنَّ مذهبَ الجنسية في الاسم وهو خبرٌ غيرُ مذهبها وهو مبتدأ . تفسيرُ هذا أَنَّا وإنْ قلنا : إنَّ اللامَ في قولك : أنت الشجاعُ للجنس كما هُوَ له في قوِلهم : الشجاعُ موقَى والجبانُ مُلقًّى فإنَّ الفرقَ بينهما عظيمٌ . وذلك أنَّ المعنى في قولك : الشجاعُ موقًّى أنك تُثْبتُ الوقايةَ لكلِّ ذاتٍ من صفتها الشجاعةُ فهو في معنى قولِك : الشجعانُ كلهم موقًّوْن . ولستُ أقولُ : إن الشجاعَ كالشجعان على الإطلاق وإن كان ذلك ظَنُّ كثيرٍ من الناس ولكنّي أريدُ أنك تجعلَ الوقايةَ تستغرِقُ الجنسَ وتَشْمَلهُ وتَشيعُ فيه . وأما في قولك : أنت الشجاعُ فلا معنى فيه للاستغراقِ إذْ لستَ تريدُ أن تقولَ : أنت الشجعانُ كلُّهم حتى كأنك تذهبُ به مَذْهبَ قولِهم : أنت الخلقُ كلُّهم وأنت العالمُ . كما قال - السريع