دخلَه الملاَلُ . من غيرِ أن تَخُصَّ شيئاً بل لا تزيدُ على أن تجعلَ الملالَ من صِفتِهِ وكما تقولُ : هذا بيتٌ يُدفىءُ ويُظِلُّ . تريدُ أنه بهذه الصفة .
واعلم أن لك في قولهِ : أجرَّت ولملّت فائدةَ أخرى زائدةً على ما ذكرتُ من توفير العناية على إثبات الفعلِ وهي أن تقولَ : كانَ من سوءِ بلاءِ القوم ومِنْ تكذيبهم عن القتال ما يُجرًّ مثلَه وما القضيةُ فيه أنه لا يتَّفقُ على قومٍ إلاً خَرِسَ شاعرُهُم فلم يَسْتطعْ نُطقاً . وتعديتُك الفعلَ تمنُع من هذا المعنى لأنك إذا قلتَ : ولكنَّ الرماحَ أجرَّتْني لم يكن أن يتأوَّلَ على معنى أنَّه كان منها ما شأنُ مثلِهِ أن يُجِرُّ قضيةً مستمرةً في كلِّ شاعرِ قومٍ بل قد يجوزُ أن يوجدَ مثلُهُ في قوم آخرين فلا يُجِرُّ شاعرَهُم . ونظيُره أَنك تقولُ : قد كان منك ما يؤلم تريد ما الشرط مثله أنْ يؤلمَ كلَّ أحدٍ وكلَّ إنسان . ولو قلتَ : ما يؤلمني . لم يُفِدْ ذلك لأنه قد يجوزُ أن يُؤلِمَك الشيءُ لا يؤلِمُ غيرَك . وهكذا قوله : ولو أنَّ أمَّنا تُلاقي الذي لاقَوه منا لملّتِ يتضمَّنُ أَنَّ من حكم مثله في كل أم تَملُّ وتسأم وأن المشقَّة في ذلك إلى حدٍّ يعلمُ أنَّ الأمَّ تَملُّ له الابنَ وتتبرَّمُ مع ما في طباعِ الأمهات منَ الصبر على المكارهِ في مصالحِ الأولاد . وذلك أنه وإن قال " أمنا " فإن المعنى على أّنَّ ذلك حكمُ كلِّ ِ أمّ مع أولادها . ولو قلتَ : " لملتنا " لم يَحْتمِلْ ذلك لأنه يَجري مَجْرى أن تقول : لو لقيتْ أَمُّنا ذلك لدَخَلها ما يُمِلُّها منّا . وإذا قلتَ : ما يملُّها منا فقيدتْ لم يصلحْ لأَنْ يرادَ به معنى العموم وأنه بحيثُ يُملُّ كلَّ أمّ من كلِّ ابنٍ . وكذلك قولُه : " إلى حجراتٍ أدفأتْ وأظلَّت " لأنَّ فيه معنى قولك : حُجراتٍ من شأنِ مثلِها أن تدُفىءَ وتظلَّ أي هيَ بالصفةِ التي إذا كان البيتُ عليها أدفأ وأظلَّ . ولا يجيء هذا المعنى مع إظهار المفعول إذ لا تقول : حجرات من شأن مثلها أن تدفئنا وتظلنا هذا لغوٌ من الكلام فاعرِفْ هذه النكتةَ فإنَّك تجدُها في كثير من هذا الفَنِّ مضمومةً إلى المعنى الآخر الذي هو توفيرُ العناية على إثباتٍ الفعلِ والدلالةُ على أنَّ القصدَ من ذكرِ الفعل أن تثُبته لفاعله لا أن تُعلِمَ التباسَه بمفعوله .
وإن أردتَ أن تزدادَ تَبييناً لهذا الأصل أعني وجوبَ أن تُسْقِطَ المفعولَ لتتوفَّرَ العنايةُ على إثباتِ الفعل لفاعلِه ولا يدخَلها شَوبٌ فانظر إلى قوله تعالى : ( ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهمُ امْرأَتَيْن تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكما قالَتَا لا