سمع القاضي ذلك بال في فراشه وثيابه وقال يا هذه أنا قد أخذني البول من هول حديثه فكيف بمن يرى الأمر عيانا .
وحكي أن تاجرا عبر إلى حمص فسمع مؤذنا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن أهل حمص يشهدون أن محمدا رسول الله فقال والله لأمضين إلى الإمام وأسأله فجاء إليه فرآه قد أقام الصلاة وهو يصلي على رجل ورجله الأخرى ملوثة بالعذرة فمضى إلى المحتسب ليخبره بهذا الخبر فسأل عنه فقيل إنه في الجامع يبيع الخمر فمضى إليه فوجده جالسا وفي حجره مصحف وبين يديه باطية مملؤة خمرا وهو يحلف للناس بحق المصحف أن الخمرة صرف ليس فيها ماء وقد ازدحمت الناس عليه وهو يبيع فقال والله لأمضين إلى القاضي وأخبره فجاء إلى القاضي فدفع الباب فانفتح فوجد القاضي نائما على بطنه وعلى ظهره غلام يفعل فيه الفاحشة فقال التاجر قلب الله حمص فقال القاضي لم تقول هذا فأخبره بجميع ما رأى فقال يا جاهل أما المؤذن فإن مؤذننا مرض فاستأجرنا يهوديا صيتا يؤذن مكانه فهو يقول ما سمعت وأما الإمام فإنهم لما أقاموا الصلاة خرج مسرعا فتلوثت رجله بالعذرة وضاق الوقت فأخرجها من الصلاة واعتمد على رجله الأخرى ولما فرغ غسلها وأما المحتسب فإن ذلك الجامع ليس له وقف إلا كرم وعنبه ما يؤكل فهو يعصره خمرا ويبيعه ويصرف ثمنه في مصالح الجامع وأما الغلام الذي رأيته فإن أباه مات وخلف مالا كثيرا وهو تحت الحجر وقد كبر وجاء جماعة شهدوا عندي أنه بلغ فأنا أمتحنه فخرج التاجر ن البلد وحلف أنه لا يعود إليها أبدا .
الفصل الرابع في نوادر النحاة .
وقف نحوي على بياع يبيع أرزا بعسل وبقلا بخل فقال بكم الأرز بالأعسل والأخلل بالأبقل فقال بالأصفع في الأرؤس والأضرط في الأذقن ووقع نحوي في كنيف فجاء كناس ليخرجه فصاح به الكناس ليعلم أهو حي أم لا فقال له النحوي أطلب لي حبلا دقيقا وشدني شدا وثيقا واجذبني جذبا رفيقا فقال الكناس امرأته طالق إن أخرجتك منه ثم تركه وانصرف وكان لبعضهم ولد نحوي يتقعر في كلامه فاعتل أبوه علة شديدة أشرف منها على الموت فاجتمع عليه أولاده وقالوا له ندعو لك فلانا أخانا قال لا إن جاءني قتلني فقالوا نحن نوصيه أن لا يتكلم فدعوه فلما دخل عليه قال له يا أبت قل لا إليه إلا الله تدخل بها الجنة وتفوز من النار يا أبت والله ما أشغلني عنك إلا فلان فإنه دعاني بالأمس فأهرس وأعدس واستبذج وسكبج وطهبج وأفرج ودجج وأبصل وأمضر ولوزج وافلوزج فصاح أبوه غمضوني فقد سبق ابن الزانية ملك الموت إلى قبض روحي وجاء نحوي يعود مريضا فطرق بابه فخرج إليه ولده فقال كيف وجدت أباك قال يا عم ورمت رجليه قال لا تلحن قل رجلاه ثم ماذا قال ثم وصل الورم إلى ركبتاه قال لا تلحن قل إلى ركبتيه ثم ماذا قال مات وأدخله الله في بظر عيالك وعيال سيبويه ونفطويه وجحشويه وعاد بعضهم نحويا فقال ما الذي تشكوه قال حمى جاسية نارا حامية منها الأعضاء واهية والعظام باليه فقال له لا شفاك الله بعافية يا ليتها كانت القاضية .
الفصل الخامس في نوادر المعلمين .
قال الجاحظ مررت بمعلم صبيان وعنده عصا طويلة وعصا قصيرة وصولجان وكرة وطبل وبوق فقلت ما هذه فقال عندي صغار أوباش فأقول لأحدهم اقرأ لوحك فيصفر لي بضرطة فأضربه بالعصا القصيرة فيتأخر فأضربه بالعصا الطويلة فيفر من بين يدي فأضع الكرة في الصولجان وأضربه فأشجه فتقوم إلي الصغار كلهم بالألواح