وانتهى علم الكوفيين إلى أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السّكّيت وأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب وكانا ثقتين أمينين ويعقوب أسن وأقدم وأحسن الرجلين تأليفاً وثعلب أعلمهما بالنحو .
وكان يعقوب أخذ عن أبي عمرو والفراء وكان يحكى عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد من غير سماع إلاّ ممن سمع منهم وقد أخذ عن ابن الأعرابي شيئاً يسيراً .
وكان ثَعْلَب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة وعلى سلمة في النحو وكان يروى عن ابن بجدة كتب أبي زيد وعن الأثرم كتب أبي عبيدة وعن أبي نصر كتب الأصمعي وعن عمرو بن أبي عمرو كتب أبيه وكان ثقة متقناً يستغني بشهرته عن نعته . وأما أبو جعفر محمد بن حبيب فإنه صاحبُ أخبار وليس في اللغة هناك أخذ عن سلمة ابنه أبو طالب المفضّل وقد أخذ أيضاً عن يعقوب وثعلب وقد نظرتُ في كتبه فوجدته مُخَلّطاً متعصّباً وردّ أشياء من كتاب العين أكثرُها غير مردود واختار اختيارات في اللغة والنحو ومعاني القرآن غيرُها المختار .
وأما القاسم بن محمد بن بشار الأنباري ومن روي عنه مثل أحمد بن عبيد الملقب أبا عصيدة فإن هؤلاء رواةٌ أصحابُ أسفار لا يُذكرون مع من ذكرنا .
وجملة الأمر أن العلم انتهى إلى من ذكرنا من أهل المصْريْن على الترتيب الذي رتبناه وهؤلاء أصحابُ الكتب والمرجوعُ إليهم في علم العرب وما أخللنا بذكر أحد إلاّ لسبب : إما لأنه ليس بإمامٍ ولا معوَّل عليه وإما لأنه لم يخرج من تلامذته أحد يُحيي ذكْرَه ولا من تأليفه شيء يلزم الناس نشره كإمساكنا عن ذكر اليزيديين وهم بيتُ علم وكلُّهم يرجعون إلى جدهم أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي وهو في طبقة أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة والكسائي وعلمُه عن أبي عمرو وعيسى بن عمر ويونس وأبي الخطاب الأكبر وقد روي عن أبي عمرو القراءة المشهورة في أيدي الناس إلاّ أن علمه قليل في أيدي الرواة إلاّ في أهل بيته وذريته وهو ثقة أمين مقدَّم مكين ولا علم للعرب إلاّ في هاتين المدينتين .
فأما مدينةُ الرسول نعلم بها إماماً في العربية .
قال الأصمعي : أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلاّ مصحفة أو مصنوعة