وأما علماءُ الكوفيين بعد الكسائي فأعلمهم بالنحو الفَرّاء .
وقد أخذ علمه عن الكسائي وهو عُمْدَتُه ثم أخذ عن أعراب وثق بهم مثل أبي الجراح وأبي مَرْوان وغيرهما وأخذ نبذاً عن يونس وعن أبي زياد الكلابي وكان الفراء وَرعاً متديناً وكان يخالف الكسائي في كثير من مذاهبه .
وممَّن أخذ عن الكسائي أبو عليّ الأحمر .
وأبو الحسن عليّ بن حازم اللّحياني صاحب النوادر وقد أخذ اللّحياني أيضاً عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي إلاّ أن عمدته الكسائي .
وكذلك أهل الكوفة كلهم يأخذون عن البَصْريين وأهل البَصْرَة يمتنعون من الأخذ عنهم لأنهم لا يرون الأَعْرَاب الذين يَحْكُونَ عنهم حجة ويذكرون أن في الشعر الذي يرونه ما قد شرحناه فيما مضى ويحملون عليه غيره .
أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا إبراهيم بن حميد قال : قال أبو حاتم : إذا فسَّرْتُ حروف القرآن المختلف فيها وحكَيْتُ عن العرب شيئاً فإنها أحكيه عن الثقات منمهم مثل أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة ويونس وثقَات من فصحاء الأعراب وحَمَلَة العلم ولا ألتفت إلى رواية الكسائي والأحمر والأموي والفراء ونحوهم .
قال أبو الطيب : فلم يزل أهل المصْرَيْن على هذا حتى انتقل العلم إلى بعداد قريباً وغلب أهلُ الكوفة في بغداد وخدموا الملوك فقدَّموهم فَأُرْغب الناس في الروايات الشاذة وتفاخروا بالنوادر وتباهَوْا بالترخيصات وتركوا الأصول واعتمدوا في الفروع فاختلط العلم .
وكان من علمائهم في هذا العصر - أعني عصر الفراء - أبو محمد عبد الله بن سعيد الأموي أخذ عن الأعراب وعن أبي زياد الكلابي وأبو جعفر الرؤاسي ونبذ عن الكسائي وله كتاب نوادر وليس علْمُه بالواسع .
وفي طبقته أبو الحسن علي بن المبارك الأخفش الكوفي وأبو عكْرمة الضّبي صاحب كتاب الخيل وأبو عدنان الراوية صاحب كتاب القسيّ ونعْمَ الكتاب في معناه بعد كتاب أبي حاتم وقد روى أبو عدنان عن أبي زيد كَتَبَه كلها .
ومن أعلمهم باللغة وأحفظهم وأكثرهم أخذاً عن ثقات الأعراب أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني صاحب كتاب الجيم وكتاب النوادر وهما كتابان جليلان