فيستدلّ بذلك على كونها مجازاًوذلك لأن الحقيقة إذا وُضعت لإفادة شيء وجب اطرّادها وإلا كان ذلك ناقصاَ للغة فصار امتناع الاطّراد مع إمكانه دالاً على انتقال الحقيقة إلى المجازوذلك كتسمية الجدّ أبا فإنه لا يطّرد وكذا تَسْمية ابن الابن ابناً .
قال : ومنها ما ذكره القاضي أبو بكر من أن تقوية الكلام بالتأكيد من علامات الحقيقة دون المجازلأن أهل اللغة لا يقوّون المجاز بالتأكيدفلا يقولون أراد الجدارُ إرادة ولا قالت الشمس قولاًكطلعت طلوعاًوكذلك ورد الكلام في الشّرع لأنه على طريق اللغة .
قال تعالى : ( وكلم الله موسى تكليماً ) بالمصدر يفيد الحقيقةَ أنه أسمعه كلامه وكلّمه بنفسه لا كلاماً قام بغيره .
انتهى ما ذكره القاضي عبد الوهاب .
وقال الإمام وأتباعه : الفرقُ بين الحقيقة والمجاز إما أن يقعَ بالتنصيص أو بالاستدلال .
أمَّا التَّنصيصُ فمن وجهين : أحدهما - أن يقول الواضعُ : هذا حقيقةٌ وذاك مجاز أو يقول ذلك أئمةُ اللغة .
قال الصفي الهندي : لأن الظاهرَ أنهم لم يقولوا ذلك إلا عن ثقة .
والثاني - أن يقول الواضعُ هذا حقيقة أو هذا مجازفيثبت بهذا أحدهما .
وهو ما نصّ عليه .
وأما الاستدلال فبالعلاماتفمن علامات الحقيقة تبادرُ الذّهن إلى فَهم المعنى والعَراء عن القرينة أي إذا سمعنا أهل اللغة يعبّرون عن معنى واحد بعبارتين ويستعلمون إحداهما بقرينة دون الأخرىفنعرفُ أن اللفظَ حقيقةٌ في المستعملة بدون القرينةلأنه لولا استقرار أنفسهم على تعيّن ذلك اللفظ لذلك المعنى بالوَضْع لم يقتصروا عادة .
ومنْ علامات المجاز : إطلاقُ اللفظ على ما يستحيل تَعَلُّقه به واستعمال اللفظ في المعنى المنسي كاستعمال لفظ الدابَّة في الحمار فإنه موضوع في اللغة لكل ما يدبّ على الأرض .
وفي تعليق أَلكْيَا : قد ذكر القاضي أبو بكر فروقاً بين الحقيقة والمجازفمن ذلك أن الحقيقة يُقاسُ عليها والمجازُ لا يقاسُ عليه .
فإنَّ من وجد منه الضَّرب