الحارث التيميّ عن ابيه قال : قال رسول اللّه في يوم دَجْن : كيف ترون بواسقها قالوا : ما أحسنها وأشدّ تراكمها ! قال : كيف ترون قواعدها قالوا ما أحسنها وأشدّ تمكنها ! قال : كيف ترون جَوْنَها ! قالوا : ما أحسنه وأشدّ سواده ! قال : كيف ترون رَحاَها استدارت قالوا : نعم ما أحسنها وأشدّ استدارتها ! قال : كيف ترون برقها أخفيّاً أم وميضاً أم يشق شقّاً قالوا : بل يشق شقّاً .
فقال : الحياءُ .
فقال رجل : يا رسول اللّه ما أفصحك ! ما رأينا الذي هو أعرب منك قال : حقّ لي فإنما أُنْزلَ القرآن عليّ بلسانٍ عربي مبين .
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي رافع قال : قال رسول اللّه : ( مُثّلت لي أُمَّتي في الماء والطين وعُلّمْت الأسماءَ كلَّها كما عُلّم آدمُ الأسماءَ كلها ) .
- المسألة الثالثة - في بيان الحكمة الداعية إلى وضع اللغة : .
قال الكيَا الهَرَّاسي في تعليقه في أُصول الفقه : وذلك أن الإنسانَ لمَّا لم يكن مكتفياً بنفسه في معاشه ومُقيمات معاشه لم يكن له بدٌّ من أن يسترفد المعاونة من غيره ولهذا اتَّخَذ الناسُ المدنَ ليجتمعوا ويتعاونوا .
وقيل : إن الإنسان هو المتمدّن بالطبع والتوحُّش دَأْبُ السباع ولهذا المعنى توزَّعَت الصنائع وانْقَسَمَت الحرَف على الخَلْق فكلُّ واحدٍ قصَر وقتَه على حرْفة يشتغل بها لأن كلَّ واحد من الخَلْق لا يمكنُه أن يقوم بجُمْلَة مَقَاصده فحينئذ لا يخْلُو من أن يكونَ محلُّ حاجته حاضرةً عنده أو غائبةً بعيدةً عنه فإن كانت حاضرةً بين يديه أمكنه الإشارة إليها وإن كانت غائبةً فلا بدَّ له من أن يدلَّ على محل حاجاته وعلى مَقْصوده وغَرضه فوضعوا الكلامَ دلالةً ووجدوا اللسانَ أسرعَ الأعضاء حركةً وقبولاً للتّرداد .
وهذا الكلام إنما هو حرفٌ وصوتٌ فإن تركه سدًى غفلاً امتدَّ وطال وإن قطعه تقطَّع فقطَّعوه وجزّؤوه على حركات أعضاء الإنسان التي يخرج منها الصوت وهو من أقصى الرّئة إلى منتهى الفم فوجدوه تسعةً وعشرين حرفاً لا تزيد على ذلك