بالمرَّة الواحدة فتقومُ الخشبة في هذا الإيماء وهذه الإشارة مقامَ جارحة ابن آدم في الإشارة بها في المواضعة وكما أن الإنسان أيضاً قد يجوزُ إذا أراد المواضعة أن يشير بخشبةٍ نحو المراد المتواضَع عليه فيقيمها في ذلك مقامَ يده لو أراد الإيماء بها نحوَه .
فلم يُجب عن هذا بأكثرَ من الاعتراف بوجوبه ولم يخرج من جهته شيء أصلاً فأحكيه عنه وهو عندي ( و ) على ما تراَه الآن لازمٌ لمن قال بامتناع كون مواضعة القديم تعالى لغةً مُرْتجلة غير ناقلة لساناً إلى لسان فاعرف ذلك .
وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدَويّ الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشَحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونَزيب الظبْي ونحو ذلك . ثم وُلّدت اللغاتُ عن ذلك فيما بعد .
وهذا عندي وجهٌ صالح ومذهب مُتَقَبَّل .
واعلم فيما بعد أنني على تَقَادم الوقت دائمُ التَّنْقير والبحث عن هذا الموضع فأجد الدَّواعي والخوالج قويَة التَّجاذب لي مختلفةَ جهات التَّغَول على فكري وذلك ( أنني ) إذا تأملتُ حالَ هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدّقَّة الإرهاف والرّقَّة ما يملك عليَّ جانب الفكر حتى يكاد يطمحُ به أمامَ غَلْوَة السّحْر فمن ذلك ما نَبَّه عليه أصحابنا ( رحمهم اللّه ) ومنه ما حَذَوْتُه على أمثلتهم فعرفت بتَتَابُعه وانْقياده وبُعْد مَرَاميه وآماده صحةَ ما وُفّقُوا لتقديمه منه ولُطْف ما أُسْعدوا به وفُرق لَهم عنه وانْضَاف إلى ذلك واردُ الأخبار المأثورة بأنها من عند اللّه تعالى فَقَويَ في نفسي اعتقادُ كونها توقيفاً من اللّه سبحانه وأنها وحيٌ .
ثم أَقول في ضد هذا : ( إنه ) كما وقع لأصحابنا ولنا وتَنَبَّهوا .
وتنبهنا على تأمُّل هذه الحكمة الرائعة الباهرة كذلك لا ننكر أن يكونَ اللّه تعالى قد خَلق منْ قبلنا وإن بَعُدَ مَدَاهُ عَنّا مَنْ كان ألطفَ منا أذهاناً وأسْرَعَ خَوَاطرَ وأجراً جناناً فأقف