ثم قطع المنشد فقال له عمارة زدنا من هذا فوصل نشيده وقال .
( ولكنني لم أحوِ وَفْرا مُجَمَّعا ... ففزْتُ به إلا بشَمْل مُبَدَّدِ ) .
( ولم تُعْطني الأيام نوماً مُسَكَّنا ... أَلَذُّ به إلا بنوم مُشَرَّدِ ) .
فقال عمارة لله دره لقد تقدم في هذا المعنى من سبقه إليه على كثرة القول فيه حتى لقد حبب إلي الاغتراب هيه فأنشده .
( وطولُ مُقام المرء في الحيّ مُخْلِقٌ ... لديباجتيه فاغتربْ تتجدَّدِ ) .
( فإني رأيتُ الشمسَ زيدت محبّةً ... الى الناسِ أنْ ليستْ عليهمْ بسرْمَدِ ) .
فقال عمارة كمل والله لئن كان الشعر بجودة اللفظ وحسن المعاني واطراد المراد واتساق الكلام فإن صاحبكم هذا أشعر الناس .
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن موسى بن حماد قال سمعت علي بن الجهم يصف أبا تمام ويفضله فقال له رجل والله لو كان أبو تمام أخاك ما زدت على مدحك هذا فقال إن لم يكن أخا بالنسب فإنه أخ بالأدب والمودة أما سمعت ما خاطبني به حيث يقول .
( إنْ يُكْدِ مُطَّرَفُ الإِخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد ) .
( أو يختلفْ ماء الوصال فماؤنا ... عذبٌ تحدَّرَ من غمام واحدِ ) .
( أو يفترقْ نسبٌ يؤلفْ بيننا ... أدبٌ أقمناه مَقَام الوالد )