المسجد نتناشد الأشعار إذ طلع علينا غلام شخت آدم في ثوبين ممصرين أي مصبوغين بصفرة غير شديدة ثم قصد نحونا حتى جاء إلينا فلم يسلم فقال أيكم الفرزدق فقلت مخافة أن يكون من قريش أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها فقال لو كان كذلك لم أقل هذا له فقال له الفرزدق ومن أنت لا أم لك قال رجل من بني الأنصار ثم من بني النجار ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم بلغني أنك تزعم أنك أشعر العرب وتزعم مضر ذلك لك وقد قال صاحبنا حسان شعرا فأردت أن أعرضه عليك وأؤجلك سنة فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب وإلا فأنت كذاب منتحل ثم أنشده قول حسان .
( لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ... وأسيافُنا يَقْطُرْنَ من نَجْدةٍ دَمَا ) .
( مَتَى ما تَزُرْنا من مَعَدٍّ عِصابةٌ ... وغسّانَ نَمْنَع حَوْضَنا أن يُهَدَّما ) .
قيل إن قوله وغسان هاهنا قسم أقسم به لأن غسان لم تكن تغزوهم مع معد .
( أبَى فعلُنا المعروفَ أن نَنْطق الخَنَا ... وقائلنا بالعُرْف إلاّ تكَلُّما ) .
( ولَدْنا بني العَنْقاءِ وابنَيْ مُحَرِّقٍ ... فأَكْرِمْ بنا خالاً وأَكْرِمْ بنا ابنَمَا ) .
فأنشده القصيدة إلى آخرها وقال له إني قد أجلتك بها حولا ثم انصرف وانصرف الفرزدق مغضبا يسحب رداءه ما يدري أي طريق يسلك حتى خرج من المسجد قال فأقبل كثير علي فقال قاتل الله الأنصاري ما أفصح لهجته وأوضح حجته وأجود شعره قال فلم نزل في حديث الفرزدق والأنصاري بقية يومنا حتى إذا كان الغد خرجت من منزلي إلى مجلسي الذي كنت فيه بالأمس وأتاني كثير فجلس معي فإنا لنتذاكر الفرزدق ونقول ليت شعري ما فعل إذ طلع علينا في حلة أفواف