دخلت مسجد المدينة ببغداد بعد أن بويع الأمين محمد بسنة فإذا شيخ عليه جماعة وهو ينشد .
( لَهِفْي على وَرْقِ الشبّابِ ... وغُصونِه الخُضْرِ الرِّطابِ ) .
( ذهب الشباب وبان عنّي ... غيرَ مُنتَظَرِ الإِياب ) .
( فلأَبْكينَّ على الشَّبابِ ... وطيبِ أيّام التَّصابي ) .
( ولأَبْكينَّ من البِلَى ... ولأَبكينَّ من الخِضاب ) .
( إنّي لآمُلُ أن أخَلَّد ... والمنيَّةُ في طِلاَبي ) .
قال فجعل ينشدها وإن دموعه لتسيل على خديه .
فلما رأيت ذلك لم أصبر أن ملت فكتبتها وسألت عن الشيخ فقيل لي هو أبو العتاهية .
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أبو العباس محمد بن أحمد قال .
كان ابن الأعرابي يعيب أبا العتاهية ويثلبه فأنشدته .
( كم من سفيهٍ غاظَني سَفَهاً ... فشَفَيْتُ نفسي منه بالحِلْم ) .
( وكَفَيْتُ نفسي ظلمَ عاديتي ... ومنحتُ صفوَ مودّتي سِلْمي ) .
( ولقد رُزِقتُ لظالمي غِلظاً ... ورَحِمتُه إذ لجّ في ظُلْمي ) .
أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن أحمد الأزدي قال .
قال لي أبو العتاهية لم أقل شيئا قط أحب إلي من هذين البيتين في معناهما .
( ليت شعري فإِنَّني لستُ أدري ... أيُّ يومٍ يكون آخِرَ عُمْري )