@ 284 @ فالذي لاح بعد التردد في مسالكه أن الله سبحانه لما ذكر الإنسان بنعمه في المأكولات التي هي قوام الأبدان وأصل اللذات في الإنسان عليها تنبني الحياة وبها يتم طيب المعيشة عدد أصولها تنبيها على توابعها فذكر منها خمسة الكرم والنخل والزرع والزيتون والرمان فالكرم والنخل يؤكل في حالين فاكهة وقوتا والزرع يؤكل في نوعين فاكهة وقوتا والزيت يؤكل قوتا واستصباحا والرمان يؤكل فاكهة محضة وما لم يذكر مما يؤكل لا يخرج عن هذه الأقسام الخمسة .
فقال تعالى هذه نعمتي فكلوها طيبة شرعا بالحل طيبة حسا باللذة وآتوا الحق منها يوم الحصاد وكان ذلك بيانا لوقت الإخراج وجعل كما أشرنا إليه الحق الواجب مختلفا بكثرة المؤونة وقلتها فما كان خفيف المؤونة قد تولى الله سقيه ففيه العشر وما عظمت مؤونته بالسقي الذي هو أصل الإتيان ففيه نصف العشر .
فأما قول أحمد إنه فيما يوسق لقوله ليس فيما دون خمسة أوسق من حب أو تمر صدقة فضعيف لأن الذي يقتضي ظاهر الحديث أن يكون النصاب معتبرا في التمر والحب فأما سقوط الحق عما عداها فليس في قوة الكلام وأما التعليق بالقوت فدعوى ومعنى ليس له أصل يرجع إليه وإنما تكون المعاني موجبة لأحكامها بأصولها على ما بيناه في كتاب القياس .
وكيف يذكر الله سبحانه النعمة في القوت والفاكهة وأوجب الحق منها كلها فيما تنوع حاله كالكرم والنخيل وفيما تنوع جنسه كالزرع وفيما ينضاف إلى القوت من الاستسراج الذي به تمام النعمة في المتاع بلذة البصر إلى استيفاء النعم في الظلم .
فإن قيل إنما تجب الزكاة في المقتات الذي يدوم فأما في الخَضر فلا بقاء لها ولذلك لم تؤخذ الزكاة في الأقوات من أخضرها وإنما أخذت من يابسها .
قلنا إنما تؤخذ الزكاة من كل نوع عند انتهائه باليبس وانتهاء اليابس والطيب انتهاء الأخضر ولذلك إذا كان الرطب لا يثمر والعنب لا يتزبب تؤخذ الزكاة