@ 28 @ .
الأول قال سعيد بن جبير قياما للناس أي صلاحا .
الثاني قياما للناس أي أمنا .
الثالث يعني في المناسك والمتعبدات قاله الزجاج وغيره .
والقول الأول يدخل في الثاني لأن الأمن من الصلاح ويدخل التمكن من المناسك والعبادات فإن لكل مصلحة .
وفائدة ذلك وحكمته أن الله سبحانه خلق الخلق في الجبلة أخيافا يتقاطعون تدابرا واختلافا ويتنافسون في لف الحطام إسرافا لا يبتغون فيه انصافا ولا يأتمرون فيه برشد اعترافا فأمرهم الله سبحانه بالخلافة وجعل فيهم المملكة وصرف أمورهم إلى تدبير واحد يزعهم عن التنازع ويحملهم على التألف من التقاطع ويردع الظالم عن المظلوم ويقرر كل يد على ما تستولي عليه حقا ويسوسهم في أحوالهم لطفا ورفقا وأوقع في قلوبهم صدق ذلك وصوابه وأراهم بالمعاينة والتجربة صلاح ذلك في ابتداء الأمر ومآله ولقد يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن فالرياسة للسياسة والملك لنفي الملك وجور السلطان عاما واحدا أقل إذاية من كون الناس فوضى لحظة واحدة فأنشأ الله الخليقة لهذه الفائدة والمصلحة على الملوك والخلفاء كلما بان خليفة خلفه آخر وكلما هلك ملك ملك بعده غيره ليستتب به التدبير وتجري على مقتضى رأيه الأمور ويكف الله سبحانه عادية الجمهور فإذا بعث نبيا سخر الله سبحانه له الملك في وقته إن كان ضعيفا فكان صغوه إليه وعونه معه كما فعل بدانيال وأمثاله .
وإن بعثه قويا يسر له الاستيلاء على الزمان وأهله وأعرى أرض السلطان عن ظله وجعل الأمر في الدين وأهله كما فعل بموسى ولما أراده الله من التيسير على نبيه محمد والتقديم له والتشريف لقومه أسكن أباه إسماعيل البلدة الحرام حيث لا إنس ولا أنيس واستخرج فيها ذريته وساق إليه من الجوار من عمرت به تلك البلاد والديار وجردهم عن الملك تقدمة لرئاسة الملة وكانوا على جبلة الخليقة