.
الوجه السابع أن يقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحوا الشام والعراق ومصر وخراسان وغيرهم كانوا يأكلون ذبائحهم لا يميزون بين طائفة وطائفة ولم يعرف عن أحد من الصحابة الفرق بينهم بالأنساب وإنما تنازعوا في بني تغلب خاصة لأمر يختص بهم كما أن عمر ضعف عليهم الزكاة وجعل جزيتهم مخالفة لجزية غيرهم ولم يلحق بهم سائر العرب وإنما ألحق بهم من كان بمنزلتهم .
الوجه الثامن أن يقال هذا القول مستلزم أن لا يحل لنا طعام جمهور من أهل الكتاب لأنا لا نعرف نسب كثير منهم ولا نعلم قبل أيام الإسلام أن أجداده كانوا يهودا أو نصارى قبل النسخ والتبديل ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع فإذا كان هذا القول مستلزما رفع ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع علم أنه باطل .
الوجه التاسع أن يقال ما زال المسلمون في كل عصر ومصر يأكلون ذبائحهم فمن أنكر ذلك فقد خالف إجماع المسلمين وهذه الوجوه كلها لبيان رجحان القول بالتحليل وأنه مقتضى الدليل فأما أن مثل هذه المسألة أو نحوها من مسائل الاجتهاد يجوز لمن تمسك فيها بأحد القولين أن ينكر على الآخر بغير حجة ودليل فهذا خلاف إجماع المسلمين فقد تنازع المسلمون في جبن المجوس والمشركين وليس لمن رجح أحد القولين أن ينكر على صاحب القول الآخر إلابحجة شرعية .
وكذلك تنازعوا في متروك التسمية وفي ذبائح أهل الكتاب إذا سموا عليها غير الله وفي شحم الثرب والكليتين وذبحهم لذوات الظفر كالإبل والبط ونحو ذلك مما حرمه الله عليهم وتنازعوا في ذبح الكتابي للضحايا ونحو ذلك من المسائل وقد قال بكل قول طائفة من أهل العلم المشهورين فمن صار إلى قول مقلد لقائله لم يكن له أن ينكر على من صار إلى القول الآخر مقلدا لقائله لكن إن كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد للحجج الشرعية إذا ظهرت .
ولا يجوز لأحد أن يرجح قولا على قول بغير دليل ولا يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة بل من كان مقلدا لزم حل التقليد فلم يرجح ولم يزيف ولم يصوب ولم يخطىء ومن كان عنده من العلم والبيان ما يقوله سمع ذلك منه فقبل ما تبين أنه حق ورد ما تبين أنه باطل ووقف ما لم يتبين فيه أحد الأمرين والله تعالى قد فاوت بين الناس في قوى الأذهان كما فاوت بينهم في قوى الأبدان .
وهذه المسألة ونحوها فيها من أغوار الفقه وحقائقه ما لا يعرفه إلا من عرف أقاويل العلماء ومآخذهم فأما من لم يعرف إلا قول عالم واحد وحجته دون قول العالم الآخر وحجته فإنه من العوام المقلدين لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون والله تعالى يهدينا وإخواننا لما