وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأكل في أوعيتهم حتى رخص أن يغسل .
وأيضا فقد استفاض أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحوا الشام والعراق ومصر كانوا يأكلون من ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى وإنما امتنعوا من ذبائح المجوس ووقع في جبن المجوس من النزاع ما هو معروف بين المسلمين لأن الجبن يحتاج إلى الأنفحة وفي أنفحة الميتة نزاع معروف بين العلماء فأبو حنيفة يقول بطهارتها ومالك والشافعي يقولان بنجاستها وعن أحمد روايتان .
فصل المأخذ الثاني الإنكار على من يأكل ذبائح أهل الكتاب هو كون هؤلاء الموجودين لا يعلم أنهم من ذرية من دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل وهو المأخذ الذي دل عليه كلام السائل وهو المأخذ الذي تنازع فيه علماء المسلمين أهل السنة والجماعة وهذا مبني على أصل وهو أن قوله تعالى ! < وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم > ! هل المراد به من هو بعد نزول القرآن متدين بدين أهل الكتاب أو المراد به من كان آباؤه قد دخلوا في دين أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل على قولين للعلماء .
فالقول الأول هو قول جمهور المسلمين من السلف والخلاف وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد بل هو المنصوص عنه صريحا .
والثاني قول الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد .
وأصل هذا القول أن عليا وابن عباس تنازعا في ذبائح بني تغلب فقال علي لا تباح ذبائحهم ولا نساؤهم فإنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر وروي عنه تغزوهم لأنهم لم يقوموا بالشروط التي شرطها عليهم عثمان فإنه شرط عليهم أن لا وغير ذلك من الشروط وقال ابن عباس بل تباح لقوله تعالى ! < ومن يتولهم منكم فإنه منهم > ! وعامة المسلمين من الصحابة وغيرهم لم يحرموا ذبائحهم ولا يعرف ذلك إلا عن علي وحده وقد روي معنى قول ابن عباس عن عمر بن الخطاب .
فمن العلماء من رجح قول عمر وابن عباس وهو قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وصححها طائفة من أصحابه بل هي آخر قوليه بل عامة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا القول وقال أبو بكر الأثرم ما علمت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهه إلا عليا وهذا قول جماهير فقهاء الحجاز والعراق وفقهاء الحديث والرأي كالحسن وإبراهيم النخعي والزهري وغيرهم وهو الذي نقله عن أحمد أكثر