ما ذاك إلا أن ما يأتي به ... وحي الكلام على البراعة ينزل .
بزغت شمساً لا ترضى غير صدره فلكاً وانقادت معانيها طائعة لا تختار سواه ملكاً وانتبذت بالعراء لا تخشى إدراك الأفكار ولا تخاف دركاً وندّت شواردها فلا تقتنصها الخواطر ولو نصبت هدب الجفون شركاً : .
فللأفاضل في عليائها سمرٌ ... إن الحديث عن العلياء أسمار .
وللبصائر هادٍ في فضائلها ... يهدي أولي العزم وإن ضلوا وإن حاروا .
بادي الإبانة لا يخفى على أحدٍ ... كأنه علم في رأسه نار .
أعجب بها من كلم جاءت كغمام الظلال على سماء الأنهار وسرت كعليل النسيم في أندية الأشجار وجليت محاسنها كلؤلؤ الطل على خدود الأزهار وتجلت كوجه الحسناء في فلك الأزرار فأحيتنا بذلك النفس المعطار حيتنا بأحسن من كأسي لمى وعقار وآسي ريحانٍ وعذار ولؤلؤي حبب وثغر وعقيقي شفة وخمر وربيعي زهر ونهر وبديعي نظم ونثر ولم أدر ما هي : أثغور ولائد أم شذور قلائد أم توريد خدود أم هيف قدود أم نهود صدور أم عقود نحور أم بدور ائتلقت في أضوائها أم شموس أشرقت في سمائها : .
جمعن شتيت الحسن من كل وجهةٍ ... فحيرن أفكاري وشيبن مفرقي .
وغازلها قلبي بودٍّ محققٍ ... وواصلها ذكري بحمدٍ مصدق .
وما كنت عاشقاً لذات محاسنٍ ... ولكن من يبصر جفونك يعشق .
ولم أدر والألفاظ منها شريفةٌ ... إلى البدر تسمو أم إلى الشمس ترتقي .
إنما هي جملة إحسان يلقي الله الروح من أمره على قلبها أو روضة بيان تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها أو ذات فضلٍ اشتملت على أدوات الفضائل وجنت ثمرات العلوم فأجنتها بالضحى والأصائل أو نفس زكت في صنيعها فنفث روح القدس في روعها فسلكت سبل البيان ذللاً وعدمت مماثلاً فأصبحت في أبناء المعالي مثلاً وسرت إلى حوز المعاني فقسم لها واهب النعم أشرف الأقسام فجادت في الإنفاق ولم تمسك خشية الإملاق وقيدت نفسها في طلق الطاعة فجاءها توقيع التفضل على الإطلاق : .
أبن لي مغزاها أخا الفهم إنها ... إلى الفضل تعزى أم إلى المجد تنسب .
هي الشمس إلا أن فكرك مشرقٌ ... بإبدائها عندي وصدري مغرب .
وقد أبدعت في فضلها وبديعها ... فجاءت إلينا وهي عنقاء مغرب .
فأعرب عن كل الماني فصيحها ... بما عجزت عنه نزارٌ ويعرب .
ومذ أشرقت قبل التناهي بأوجها ... عفا عن سناها بدر تمٍّ وكوكب .
تناهت علاءً والشباب رداؤها ... فما ظنكم بالفضل والرأس أشيب .
لئن كان ثغري بالفصاحة باسماً ... فثغرك بسام الفصاحة أشنب .
وإن ناسبتني بالمجاز بلاغةٌ ... فأنت إليها بالحقيقة تنسب .
ومذ وردت سمعي وقلبي فإنها ... لتؤكل حسناً بالضمير وتشرب .
وإني لأشدو إلى الورى ببيانها ... كما ناح في الغصن الحمام المطرّب .
ويشهد أبناء البيان إذا انتدوا ... بأني من قسّ الفصاحة أخطب .
وإني لتدنيني إلى المجد عصبةٌ ... كرامٌ حوتهم أول الدهر يثرب .
وإني إذا خان الزمان وفاءه ... وفيٌّ على الضراء حرٌّ مجرّب .
إباء أبت نفسي سواه وشيمةٌ ... قضى لي بها في المدد أصلٌ مهذب .
ونفسٌ أبت إلا اهتزازاً إلى العلى ... كما اهتز يوم الروع رمحٌ ومقضب .
ولي نسبٌ في الأكرمين تعرفت ... إليه المعالي خدنٌ والسيادة مركب .
تلاقى عليه المطمعون تكرّماً ... إذا احمرّ أفقٌ بالمجرّة مجدب .
من اليمنيني الذين سما بهم ... إلى العزّ بيتٌ في العلاء مطنّب .
قروا تبعاً بيض المواضي ضحاءه ... وكوم عشار بالعشيات يهضب .
فرحله الجود العميم ومنصل ... له الغمد شرقٌ والذوائب مغرب