قال قطب الدين : فحكى لنا صاحبنا الموفق عبد الله بن عمر أن ابن اسرائيل وابن الخيمي اجتمعا بعد ذلك بحضرة جماعة من الأدباء وجرى الحديث فتحاكما إلى شرف الدين ابن الفارض فقال : ينبغي لكل واحد منكما أن ينظم أبياتاً على هذا الوزن والروي فنظم ابن الخيمي : .
لله قومٌ بجرعاء الحمى غيب .
القصيدة ونظم ابن اسرائيل : .
لم يقض في حبكم بعض الذي يجب .
القصيدة فلما وقف عليهما ابن الفارض أنشد لابن اسرائيل : .
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب .
وحكم بالقصيدة لابن الخيمي واستجاد بعض الحاضرين أبيات ابن اسرائيل وقال : من ينظم مثل هذا ما الحامل له على ادعاء ما ليس به ؟ فابتدر ابن الخيمي وقال : هذه سرقة عادة لا سرقة حاجة وانفصل المجلس وسافر ابن اسرائيل لوقته من الديار المصرية وقد طلب ابن خلكان وهو نائب الحكم بالقاهرة الأبيات من ابن الخيمي فكتبها وذيل له في آخرها أبياتاً وسأله الحكم بينه وبين من ادعاها والقصيدة المدعاة أنشدنيها من لفظه الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري قال : أنشدني لنفسه إجازة الشيخ شهاب الدين محمد بن عبد المنعم ابن الخيمي وفي غالب الظن أنه سماع : .
يا مطلباً ليس لي في غيره أرب ... إليك آل التقصي وانتهى الطلب .
وما طمحت لمرأى أو لمستمعٍ ... إلا لمعنىً إلى علياك ينتسب .
وما أراني أهلاً أن تواصلني ... حسبي علواً بأني فيك مكتئب .
لكن ينازع شوقي تارةً أدبي ... فأطلب الوصل لما يضعف الأدب .
ولست أبرح في الحالين ذا قلقٍ ... نامٍ وشوقٍ له في أضلعي لهب .
ومدمعٍ كلما كفكفت أدمعه ... صوناً لذكرك يعصيني وينسكب .
ويدعي في الهوى دمعي مقاسمتي ... وجدي وحزني فيجري وهو مختضب .
كالطرف يزعم توحيد الحبيب ولا ... يزال في ليله للنجم يرتقب .
يا صاحبي قد عدمت المسعدين فسا ... عدني على وصبي لا مسك الوصب .
بالله إن جزت كثباناً بذي سلمٍ ... قف لي عليها وقل : لي هذه الكثب .
ليقضي الخد من أجراعها وطراً ... في تربها يؤدي بعض ما يجب .
ومل إلى البان من شرقي كاظمةٍ ... فلي إلى البان من شرقيها طرب .
وخذ يميناً لمغنىً تهتدي بشذا ... نسيمه الرطب إن ضلت بك النجب .
حيث الهضاب وبطحاها يروضها ... دمع المحبين لا الأنواء والسحب .
أكرم به منزلاً تحميه هيبته ... عني وأنواره لا السمر والقضب .
دعني أعلل نفساً عز مطلبها ... فيه وقلباً لغدرٍ ليس ينقلب .
ففيه عاينت قدماً حسن من حسنت ... به الملاحة واعتزت به الريب .
دانٍ وأدنى وعز الحسن يحجبه ... عني وذلي والإجلال والرهب .
أحيا إذا مت من شوقٍ لرؤيته ... بأنني لهواه فيه منتسب .
ولست أعجب من جسمي وصحته ... في حبه إنما سقمي هو العجب .
والهف نفسي لو أجدى تلهفها ... غوثاً ووا حرباً لو ينفع الحرب .
يمضي الزمان وأشواقي مضاعفةٌ ... يا للرجال ولا وصلٌ ولا سبب .
يا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب .
ويا نسيماً سرى من جو كاظمةٍ ... بالله قل لي كيف البان والعذب .
وكيف جيرة ذاك الحي هل حفظوا ... عهداً أراعيه إن شطوا وإن قربوا .
أم ضيعوا ومرادي منك ذكرهم ... هم الأحبة إن أعطوا وإن سلبوا .
إن كان يرضيهم إبعاد عبدهم ... فالعبد منهم بذاك البعد مقترب .
والهجر إن كان يرضيهم بلا سبب ... فإنه من لذيذ الوصل محتسب .
وإن هم احتجبوا عني فإن لهم ... في القلب مشهود حسنٍ ليس يحتجب .
قد نزه اللطف والإشراق بهجته ... عن أن تمنعها الأستار والحجب