فلما جاء قبجق وحدثه كان والدي حاضراً قال : فقال له : السلطان يسلم عليك ويقول لك : قد حصل القصد بإلقاء السمعة والمهابة وما بقي للتتار حركة وأنا قد بعثني أرد العساكر المصرية من حلب والأمير يرجع إلى دمشق فقال له قبجق : لما قال لك السلطان هذا كان منكودمر حاضراً عنده ؟ فقال له : وإلا فأين يغيب ذاك ؟ قال والدي : ففهمت بها خيانة ابن حمدان .
ثم إن ابن حمدان قطع الكلام وقال : يا خوند أنا جيعان وقد اشتهيت عليك كركي يشوى لي فقال : هنا كركي مشوي هاتوه فجابوه وأنا قاعد فلما جاء قال ابن حمدان : لا يقطع لي أحد أنا أقطع لنفسي . ثم إنه أخرج سيخاً كان معه وجعل يقطع برأسه ويأكل ثم قطع ذلك السيخ وقدمه لقبجق وقال له : أنا قد قطعت لك وأنت إن اشتهيت تأكل وإن اشتهيت لا تأكل ففهم قبجق أنه قد سم له ما قطعه له وغضب وأربد وجهه واسود وظهر عليه ما لا يخفى من الأذى ثم قال : أنا ما آل شيئاً . قال والدي : فقمت من عنده وشرع قبجق في ما هم به .
قال : ثم سافر ابن حمدان إلى جهة حلب وكان من الأمراء الذين بها ما كان وركب بكتمر السلحدار والبكي نائب صفد عائدين إلى حمص حتى أتيا قبجق وشكيا إليه ما أريد بهما بحلب فشكا هو إليهما ما أريد به بحمص وأجمعوا على الرأي وأراد قبجق تحليف الأمراء له وطلب شهاب الدين ابن غانم ليتولى ذلك له فعمل نسخة بالتحليف فلما حضر ليحلف قال أمراء الشام : أين كاتب السر ؟ فقال : هو بعث هذا . فقال الطواشي... وكان رأس الميمنة وكبير الأمراء والملك الأوحد ابن الزاهر ما نحلف إلا إن حلفنا كاتب السر فإنه أخبر بالعادة .
قال والدي : فطلبت وأعطيت نسخة التحليف فوجدتها مجردة لقبجق فقلت : ما جرت بهذا عادة ثم أخذت القلم وأضفت فيها اسم السلطان ولزوم طاعته وجماعته فحلفوا على هذا وتنكر لي قبجق .
قال : فلما رأى قبجق أن الأمر ما يتم له لاختلاف أمراء الشام عليه أعمل الرأي في الهرب .
قال : حكى لي الفرسي الحاجب قال : جئت إلى قبجق في الليلة التي أراد فيها الركوب للهرب وأخذت في لومه وعذله وقلت له : يا خوند بعد الحج إلى بيت الله الحرام وقطع هذا العمر في الإسلام وأمير علي تروح إلى بلاد العدو ؟ ! .
فقال : يا حاج أنا كنت أعتقد أن لك عقلاً الروح ما يعدلها شيء وأما الإسلام فأنا مسلم أينما كنت ولو كنت في قبرص وأما الحج فكل سنة يحج من الشرق قدر ما يحج نمن عندكم مرات وأما أمير علي فأي امرأة بصقت فيها جاء منها أمير علي وأمير إبراهيم وأمير خليل .
ثم قال : هاتوا ما نأكل فجاءوه بزبدية خشب فيها لحم يخني فأخذ منه قطعة وحطها على قباء كنجي زيتي عليه وشرع يقطع منها ويأكل ويغني بالتتري يريني أنه قد دخل في زي التتار وعيشهم ثم هرب وأمسك نائب حمص معه فقال : يا خوند أي شيء هو ذنبي ؟ فقال : مالك ذنب وإنما أخذتك معي حتى يتفرق هؤلاء الحيال عن جند حمص .
ثم إنه أطلقه بعد ذلك . وبعد هربه بيومين جاءت الأخبار بقتل لاجين وذبح منكودمر فجهز إليه البريدي الواصل بهذا الخبر وهو علاء الدين الدبيسي فلحقه وأخبره فما صدقه وهم بقتله ثم تركه ورده ةواستمر قبجق حتى وصل إلى أردو السلطان محمود غازان فقبل وفادته ولم يجد لديه طائل إكرام .
وحكى لي شرف الدين راشد كاتب بكتمر السلحدار قال : إن غازان رتب له رابتاً لا يليق بمثله ثم إن غازان حشد للصيد وجمع حلقة ما رؤي مثلها وضمت ما لا يحصى من الوحش وقال لأمرائه : حتى نبصر هؤلاء إن كانوا أقجية أم لا . وكان يظن أنه فضحهم .
ثم قالوا لقبجق : يا قبجق نحن شباعي الصيد وإنما هذا عملناه ضيافة لكم . فنزل قبجق وضرب له الجوك ثم قال : بسعادة القان نتصيد فعبرت بهم حمر وحشية فأمره غازان بالرمي عليها فقال له قبجق : ايش يشتهي القان يأكل لحمه من هذه الحمير ؟ فقال له : هذا وهذا وأشار إلى اثنين منها أو ثلاثة أو أكثر والشك مني لا ممن حدثني .
فساق قبجق وصهر له عليها أحدهما أخذ على يمينها والآخر أخذ على يسارها واتفقا على الرمي على مكان منها حاذياهما ورميا عليها فلم يخطئا المكان حتى تلاقى نشابهما وتقاصف وهكذا في كل رماياهم