عبد الله بن يوسف . هو العاضد لدين الله أبو محمد ابن يوسف ابن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي المصري . هو آخر خلفاء المصريين . ولد سنة ستٍ وأربعين وخمسمائة في أولها وتوفي سنة تسعٍ وستين وخمسمائة لما هلك الفائز ابن عمه واستولى الملك الصالح طلائع على الديار المصرية بايع العاضد وأقامه صورةً وكان كالمحجور عليه لا يتصرف في أمرٍ . وكان رافضياً سباباً خبيثاً إذا رأى سنياً استحل دمه وقتل ابن رزيك ووزر له شاور ودخل أسد الدين شيركوه إلى القاهرة وقتل شاور ووزر له شيركوه على ما هو مذكورٌ فيما تقدم في ترجمتهما . ومات شيركوه فوزر له صلاح الدين يوسف على ما سيأتي في ترجمة صلاح الدين وتمكن صلاح الدين من المملكة ولم يزل يستدعي منه الخيل والرقيق وغيره إلى أن أخذ منه فرساً كان راكبه فسيره إليه وشق خفيه ولزم بيته وبقي معه صورةً إلى أن خلعة وخطب لأمير المؤمنين المستضيء بأمر الله العباسي وأزال تلك الدولة وكانوا أربعة عشر خليفةً منهم ثلاثةٌ بإفريقية وهم : المهدي والقائم والمنصور وأحد عشر بمصر وهم : المعز والعزيز والحاكم والظاهر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد يدعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي واشتهروا بين العوام فيقولون الدولة الفاطمية والعلوية وقد أوضحت ذلك في ترجمة عبيد الله المهدي . وتسلم الملك الناصر صلاح الدين قصر الخلافة واستولى على ما كان فيه من الذخائر وكانت عظيمة الوصف وقبض على أولاد العاضد وأهله وحبسهم في مكانٍ واحدٍ بالقصر وأجرى عليهم ما يموتهم وعفى آثارهم . واستمر البيع في موجودهم مدة عشر سنين ولم يوجد في خزائنهم من المال كثيرٌ لأن شاور ضيعه وصانع به الفرنج . ومن عجائب ما وجد فيها قضيب زمردٍ طوله شبرٌ وشيءٌ في غلظ الإبهام فأخذه صلاح الدين وأحضر صائغاً ليقطعه فاستعفى الصائغ من ذلك فرماه السلطان فانكسر ثلاث قطعٍ وفرقه على نسائه . ووجد طبل القولنج الذي صنع للظافر وكان من ضربه خرج منه الريح واستراح من القولنج فوقع إلى بعض أمراء الأكراد فلم يدر ما هو فكسره لأنه ضربه فضرط ووجد إبريقٌ عظيمٌ من الحجر المانع فكان من جملة ما أرسل إلى بغداد من التحف . ثم إن موفق الدين خالد بن القيسراني وصل إلى مصر من جهة نور الدين الشهيد وطالبه بجميع ما حصله فشق ذلك على صلاح الدين وهم بشق العصا ثم إنه أمر بعمل الحساب وعرضه على موفق الدين وأراه جرائد الأجناد وأرسل معه هديةً إلى نور الدين على يد الفقيه عيسى وهي خمس ختماتٍ إحداهن مكتوبة بالذهب بخط يانس في ثلاثين جزءً وختمة بخط مهلهل وختمة بخط الحاكم البغدادي وختمة بخط راشد في عشرة أجزاءٍ وختمة بخط ابن البواب وثلاثة أحجار بلخش وزنها أربعة وأبعون مثقالاً وست قصبات مرد مزنها ثلاثة عشر مثقالاً وثلث وربع وياقوتة وزنها سبعة مثاقيل وحجر أزرق وزنه ستة مثاقيل وسدس ومائة عقد جوهر وزنها مائة وخمسة وسبعون مثقالاً وخمسون قارورة دهن بلسان وعشرون قطعة بلور وأربع عشرة قطعة جزع وإبريق يشم وطشت يشم وسقرق مينا مذهب وصحون وزبادي صيني أربعون قطعةً وكرتين عود وزنهما خمسون رطلاً بالمصري ومائة ثوب أطلس وأربع وعشرون بقياراً مذهبة وأربعة وعشرون ثوباً حريراً وأربعة وعشرون من الوشي وحلة فلفلي مذهبة وحلة مريش صفراء مذهبة وغير ذلك أنواع قماش قيمتها مائتان وعشرون ألف دينار مصرية وعدة من الخيل والغلمان والجواري وشيئاً كثيراً من السلاح . ويقال إن دار الكتب كان بها ألف ومائتان وعشرون نسخة بتاريخ الطبري وكانت تحتوي على ألفي ألف وستمائة ألف كتاب وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة حصل القاضي الفاضل نخبها أنه اعتبرها وكلما أعجبه شيء قطع جلده ورماه في البركة فلما فرغ الناس من شراء الكتب اشترى هو تلك على أنها مخرومة ذكر ذلك ابن أبي طي . وقال : أخبرني بذلك جماعة من المصريين منهم الأمير شمس الخلافة موسى بن محمد وساروا بهذه الهدية فلم تصل إلى نور الدين لأنهم اتصلت بهم وفاة نور الدين في الطريق وقيل : إنها أعيدت جميعها إلى صلاح الدين لأنه وضع على موفق الدين والفقيه عيسى من نهبهما في الطريق . وكان موت العاضد بذربٍ مفرطٍ وقيل : مات غماً لما بلغه قطع خطبتهم