وممن قرأ عليه أولاً : العلامة القاضي فخر الدين المصري وغيره . وكان لي منه - C - نصيبٌ وافر . وأجد منه حنواً كثيراً وبراً ولم أقرأ على أحد قبله وكان شديد المحبة لأصحابه شفوقاً عليهم صادق اللهجة مفرط الكرم .
وكانت بينه وبين الشيخ صدر الدين قرابة وكان هشاً بشاً بساماً وعمته مليحة ولم أر أعف يداً ولا فرجاً منه C .
وكان يكتب خطاً حسناً ونظمه سريعٌ إلى الغاية ونظمه أرشق من نثره . وكان قادراً على الإنشاء ولم أره يخطب بغير الخطب النباتية .
وكان جيد المشاركة أشعري العقيدة شافعي المذهب يحب الكثير ويبالغ في الحرص على اقتنائها والمنافسة فيها .
رأيته بعد موته بمدة في المنام فقمت إليه وصافحته وقبضت على يده وقلت له : قل لي ما الخبر ؟ فقال لي : " لا تعتقد إلا وحدانيته . فقلت له : هذا شيءٌ قد جبل اللحم والدم عليه " . فقال : " ولا بأس مع الفاتحة من سورة أخرى من القرآن وقصيصات الناس " . فعملت أنه نصحني حياً وميتاً ؛ لأنه كان يتوقف في توقيعه ويتحرى ويتحرز فيما يكتبه ولا يكتب إلا ما هو سائغ فكان صاحب القصة يتعذر عليه مطلبه كتب إلي يوماً وقد فارقته متأذياً : من السريع .
بالله لا تغضب لما قد بدا ... فأنت عندي مثل عيني اليمين .
ما أتعب النفس سوى من غدا ... يجحد ما أوليته أو يمين .
وأنت عندي جوهرٌ قد صفا ... من دنس الذم نفيسٌ ثمين .
ووالدي يعلم ما قلته ... أخبار من أخلص في ذا اليمين .
ما حلت عن حسن الوفا في الهوى ... فأنت في هذا المكين الأمين .
المملوك حسن بن محمد يسأل الله تعالى أن يحرس تلك الروحانية الطاهرة من الكدر إن شاء الله تعالى . فكتبت أنا جوابه عن ذلك C تعالى : من السريع .
بررت فيما قلت يا سيدي ... ولست تحتاج إلى ذي اليمين .
والله لم أغضب وحاشى لمن ... أراه عندي مثل عيني اليمين .
ولم يكن غيظي إلا لمن ... يميل عن طرق الوفا أو يمين .
ويفتري الباطل في قوله ... عني وليس الناس عنه عمين .
ويظهر الود الذي إن بدا ... ظاهره فالغش فيه كمين .
فغثه غثى نفوس الورى ... ممن ترى والسم منه سمين .
ومن نظمه C تعالى ما كتبه لمن أهدى له قراصيا : من البسيط .
يا سيداً أصبحت كفاه بحر ندىً ... تولي سحائبه الإنعام والقوتا .
كنا عهدنا اللآلى من مواهبه ... واليوم ننظرها فينا يواقيتا .
ومنه لمن أهدى له بطيخاً أصفر وقرأته عليه : من المنسرح .
أهديت شيئا يروق منظره ... ماء تبدى في جامد اللهب .
أو شمس أفقٍ قد كورت فبدا ... شعاعها مثل ذائب الذهب .
لما تبدت لها بروق مدىً ... أبدت حشاها أهلة الشهب .
وكم أرتنا القسي عن قزحٍ ... مبشرات بواكفٍ سرب .
أخضرها قد زهى بأحمرها ... كورد خدٍّ بالآس منتقب .
وأرشفت من عقيق مبسمها ... خمرة ريقٍ أحلى من الضرب .
فبت من نشوة بها ثملاً ... أهز عطف السرور من طرب .
ومذ ترشفت برد ريقتها ... خلت فؤادي العزيز في حلب .
وكتب إلى الأمير سيف الدين تنكز يهنئه بفتح ملطية وقرأته عليه : من الطويل .
مقام العوالي تحت ظل القواضب ... ونيل الأماني فوق جرد السلاهب .
وإدراك غايات المفاخر والعلا ... بسمر العوالي أو ببذل الرغائب .
ومجنى ثمار النصر في حومة الوغى ... من الرأي والإقدام بين المواكب .
وأكرم به مجنىً يلذ شرابه ... إذا ما كؤوس الموت لذت لشارب .
ولا خمر إلا من دماء سواربٍ ... تدار بيض الهند بين المقانب .
لها رنةٌ تلهيك عن كل مزهرٍ ... وتنسيك أنس الآنسات الكواعب .
ولا ليل إلا من تراكم عثيرٍ ... ولا صبح إلا من رقاق المضارب .
يغيب سناه ساطعاً في مفارقٍ ... ويبدو كبرق لاح بين سحائب