قال : وقد حكي عن جماعة أنّه تاب عند موته مما كان منه وأظهر الندم واعترف بأنه إنما صار إليه حميّة وأنفة من جفاء أصحابه وتنحيتهم إيّاه من مجالسهم . وأكثر كتبه الكفريات ألفها لأبي عيسى اليهودي الأهوازي وفي منزل هذا الرجل توفي . ومما ألّفه من الكتب الملعونة كتاب التاج يحتج فيه لقدم العالم . كتاب الزمردة يحتد فيه على الرسل وإبطال الرسالة . كتاب نعت الحكمة يسفّه الله تعالى في تكليف خلقه ما لا يطيقون من أمره ونهيه . كتاب الدامغ يطعن فيه على نظم القرآن . كتاب القضيب الذي يثبت فيه أن علم الله تعالى بالأشياء محدث وأنه كان غير عالم حتى خلق خلقه وأحدث لنفسه علماً . كتاب الفريد في الطعن على النبي A . كتاب المرجان . كتاب اللؤلؤة في تناهي الحركات . وقد نقض ابن الراوندي أكثر الكتب التي صنفها كالزمردة والمرجان والدامغ ولم يتم نقضه . ولأبي علّي الجبائي عليه ردود كثيرة في نعت الحكمة وقضيب الذهب والتاج والزمردة والدامغ وإمامة المفضول وقد رد عليه أيضاً أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط . فمما قال في كتاب الزمردة إنه إنّما سمّاه بالزمردة لأن من خاصة الزمرد أن الحيّات إذا نظرت إليه ذابت أعينها فكذلك هذا الكتاب إذا طالعه الخصم ذاب . وهذا الكتاب يشتمل على إبطال الشريعة والإزراء على النبوّات ؛ فمما قال فيه لعنه الله وأبعده إنا نجد من كلام أكثم بن صيفي شيئاً أحسن من " إنّا أعطيناك الكوثر " وإن الأنبياء كانوا يستعبدون الناس بالطلاسم . وقال : قوله لعمار تقتلك الفئة الباغية كل المنجمين يقولون مثل هذا . وقد كذب لعنه الله فإن المنجم إن لم يسأل الرجل عن اسمه واسم أمه ويعرف طالعه لا يقدر أن يتكلم على أحواله ولا يخبره بشيء من متجدداته . وقد كان النبي A يخبر بالمغيبات من غير أن يعرف طالعاً ويسأل عن اسم أو نسب فبان الفرق . وقال في كتاب الدامغ في نقض القرآن إن فيه لحناً وقد استدركه وصنف كتاباً في قدم العالم ونفي الصانع وتصحيح مذهب الدهريه ورد على أهل التوحيد . وذكر أبو هاشم الجبّائي أن الراوندي قال في كتاب الفريد إن المسلمين احتجوا للنبوة بكتابهم القرآن الذي أتى به النبي A وهو معجز لن يأتي أحد بمثله ولم يقدر أحد أن يعارضه . فقال : غلطتم وغلبت العصبية على قلوبكم فإن مدعياً لو ادّعى أن إقليدس لو ادّعى أن كتابه لا يأتي أحد بمثله لكان صادقاً وأن الخلق قد عجزوا عن أن يأتوا بمثله أفإقليدس كان نبياً ؟ وكذلك بطلميوس في أشياء جمعها في الفلسفة لم يأت أحد بمثلها يعني فأي فضيلة للقرآن . وقد أبطل لعنه الله فيما قاله فإن كتاب إقليدس وكتب بطلميوس لو حاول أحد من الفلاسفة ممن يعرف علومهم ويحلّ رموزهم وأشكالهم أن يأتي بمثلها لقدر على ذلك . والقرآن االكريم قد حاول السحرة والكهنة والخطباء والفصحاء والبلغاء على أن يأتوا بمثله فلم يقدروا ولا على آية واحدة وقد عارضوه بأشياء بان عجزهم فيها وظهر سفههم . قلت : وقد جاء بعد إقليدس من استدرك عليه وسلك أنموذجه وأتى بما لم يأتِ به كقولهم الأعداد المتحابّة فاتت إقليدس أن يذكرها . وارشميدس له كتاب مستقل سمّاه الهندسة الثانية ومصادرات إقليدس . وأما بطلميوس فيحكى أنه بعد وضعه للاسطرلاب بمدة وجد علبة رصاص في حائط وفيه إسطرلاب وأنه ضحك فرحاً بأنه ذهنه ذهن الأقدمين . ولم يبرهن بطلميوس على أن الزهرة فلكها فوق فلك الشمس أو تحته حتى جاء ابن سينا ورصدها فوجدها قد كسفت الشمس وصارت كالشامة على الوجنة فتعين أنها تحت الشمس . وأما القرآن الكريم لم يتفق له هذه الاتفاقات على أن تلك علوم عقلية تتساوى الأذهان فيها . وأما القرآن فليس هو مما هو مركوز في الأذهان فلذلك عزّ نظيره إذ ليس هو من كلام البشر . قال الجبائي . وذكر في كتاب الدامغ أن الخالق سبحانه وتعالى ليس عنده من الدواء إلا القتل فعل العدو الحنق الغضوب فما حاجة إلى كتاب ورسول . قال ويزعم أنّه يعلم الغيب فيقول : وما تسقط من ورقةٍ إلاّ يعلمها ثم يقول : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلاّ لنعلم . وقوله : إنّ لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى . قال وقد جاع وعري . وقال في قوله تعالى : " إنّا جعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه " . ثم قال : " وربك الغفور ذو الرّحمة " فأعظم الخطوب ذكر الرحمة مضموماً إلى إهلاكهم . قال :