وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

الباب الحادي و العشرون : في مبدأ بعثته و استقرار نبوته صلى الله تعالى عليه و سلم .
لكل مقدور نذير أو بشير : .
إن الله تعالى جعل لكل مقدور من الأمور إذا دنا نذيرا أو بشيرا يظهر بهما مبادئ ما أخفاه و يشعر بحلولهما قدره و قضاه ليكونا تعذيرا و تحذيرا تستيقظ بهما العقول و يزدجر بهما العقول و يزدجر بهما الجهول لطفا بعباده من فجأة الأمور المذهلة أن تصدم ببوادر لا تستدرك لتكون النفوس في مهلة من استدفاع خطبها و حل صعبها .
انتشر في الأمم أن الله تعالى سيبعث نبيا : .
و لما دنا مبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بالنبوة رسولا و إلى الخلق بشيرا و نذيرا انتشر في الأمم أن الله تعالى سيبعث نبيا في هذا الزمان و أن ظهوره قد قرب و آن فكانت كل أمة لها كتاب يعرف ذلك من كتابها و التي لا كتاب لها ترى من الآيات المنذرة ما تستدل عليه بعقولها و تنبيه عليه بهواجس فطرها إلهاما أعان به الفطن اللبيب و أنذر به الحازم الأريب هذا و رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم غافل عنها و غيره عالم أنه مراد بها و مؤهل لها لم يشعر بها حتى نودي و لا تحققها حتى نوجي ليكون أبعد من التهمة و أسلم من الظنة فيكون برهانه أظهر و حجاجه أقهر و كان مع تمييزه عن قومه بشرف أخلاقه و كرم طباعه لم يعبد معهم صنما و لا عظم وثنا و كان متدينا بفرائض العقول في قول جميع الفقهاء و المتكلمين : من توحيد الله تعالى و قدمه و حدوث العالم و فنائه و شكر المنعم و تحريم الظلم و وجوب الإنصاف و أداء الأمانة .
كيف كان تعبد محمد صلى الله عليه و سلم قبل البعثة : .
و اختلف أهل العلم هل كان قبل مبعثه بشريعة من تقدم من الأنبياء ؟ فذهب أكثر المتكلمين و بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي و أبي حنيفة إلى أنه لم يكن متعبدا بشريعة من تقدمه من الأنبياء لأنه لو تعبد بها لتعلمها و لعمل بها و لو عمل بها لظهرت منه و لو ظهرت لاتبعه فيها الموافق و نازعه فيها المخالف .
و ذهب بعض المتكلمين و أكثر الفقهاء من أصحاب الشافعي و أبي حنيفة إلى أنه كان متعبدا بشريعة من تقدمه من الأنبياء لأنهم دعوا إلى شرائعهم من عاصرهم و من يأتي بعدهم ما لم تنسخ بنبوة حادثة فدخل الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم في عموم الدعاء قبل مبعثه لأن الله تعالى لا يخلي زمانا من شرع متبوع و لا متدينا من تعبد مسموع .
و اختلف من قال بهذا فيما كان متعبدا به من الشرائع المتقدمة فذهب بعضهم إلى أنه كان متعبدا بشريعة جده إبراهيم عليهما السلام لقوله تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } لأنه كان في الحج و العمرة على مناسكه .
و ذهب آخرون إلى أنه كان متعبدا بشريعة موسى فيما لم تنسخه شريعة عيسى عليهم السلام لظهور شريعته في التوراة و دروس ما تقدمها من الشرائع مع قول الله تعالى : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى } .
و ذهب آخرون إلى أنه كان متعبدا بشريعة عيسى عليه السلام لأنها كانت ناسخة لشريعة موسى فسلم قبل مبعثه من حرج في دينه و قدح في يقينه و هذا من أمارات الاصطفاء و مقدمات الاجتباء .
الخلاء في غار حراء : .
و لما وجد الأمر في النبوة و دنا وقتها حبب الله إلى رسوله الخلاء بعد أربعين سنة من عمره حين تكامل نهاه و اشتد قواه ليكون متهيئا لما قدر له و متأهبا لما أريد له فكان يتخلى في غار حراء في ذوات العدد من الليالي [ و قيل ] شهرا في السنة على عادة كانت لقريش في التبرز بالمجاورة بحراء و يعود إلى أهله إلى أن استدام الخلاء في الغار لما أراد الله تعالى به فكان يؤتى بطعامه و شرابه فيأكل منه و يطعم المساكين برهة من زمانه و هو غافل عن النبوة و إن كان في الناس موهوما و عند أهل الكتب معلوما ليكون ابتكار البديهة بها مانعا من التصنع لها فلا ينسب إلى اختراعها و لو تصنع و اخترع لظهرت أسبابهما و تمت شواهدهما و لم يخف على من عاداه أن يتداوله و على من والاه أن يتأوله و حسبك بهذا وضوحا أن يكون بعيدا من التهمة بهما سليما من الظنة فيهما .
فلم يزل صلى الله تعالى عليه و سلم على خلوته إلى أن أظهر الله تعالى له أمارات نبوته فأيقظه بها بعد الغفلة و بشره بها بعد المهلة ثم بعثه بها رسولا بعد البشرى على تدريج ترتبت فيها أحواله ليتوطأ لتحمل أثقالها و يعلم لوازم حقوقها حتى لا تفجأه بغتة فيذهل و لا يخفى عليه حقوقها فينكل و كان ذلك من الله لطفا به و إنعاما عليه و داعيا لأمته في الانقياد إليه فسبحان من لطيف بعباده منعم على خلقه .
تدرج أحوال محمد إلى أن وصل إلى النبوة : .
تدرجت إليه أحواله في النبوة حتى علم أنه مبعوث و رسول مبلغ ترتب تدرجه على ستة أحوال نقل فيهن إلى منزلة بعد منزلة حتى بلغ غايتها .
الرؤيا الصادقة : .
فالمنزلة الأولى الرؤيا الصادقة في منامه بما سيؤول إليه أمره فكان ذلك إذكارا بها ليروض لها نفسه و يختبر فيها حواسه فيقوم بها إذا بعث و هو عليها قوي و بها ملي .
روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنه أنها قالت : أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجيء مثل فلق الصبح حتى فجأه الحق و اختلف في هذه الرؤيا هل كانت قبل انقطاعه إلى الخلوة بحراء ؟ .
فحكي عن عروة عن عائشة أنه حبب إليه الخلاء بعد الرؤيا و ذهب قوم إلى أن الرؤيا جاءته بعد خلوته لأنه خلا على غفلة من أمره و قد روت برة بنت أبي تحراه : أن الله تعالى لما أراد كرامة رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بالنبوة كان لا يمر بشجر و لا حجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه و شماله و خلفه فلا يرى أحدا فاحتمل أن يكون ذلك قبل رؤيا المنام فيكون كالهتوف الخارجة عن أعلام الوحي إلى إعجاز النبوة و احتمل أن يكون بعد الرؤيا فيكون تصديقا لها و تحقيقا لصحتها .
تطهيره من الأرجاس و الأدناس : .
و المنزلة الثانية ما ميز به عن سائر الخلق من تقديسه عن الأرجاسه و تطهيره من الأدناس ليصفو فيصطفى و يخلص فيستخلص فيكون ذلك إنذارا لأمر و تنبيها على العاقبة و هو ما رواه [ عن عروة بن الزبير عن أبي ذر الغفاري قال : سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم عن أول نبوته فقال : يا أبا ذر أتاني ملكان و أنا ببطحاء مكة فوقع أحدهما على الأرض و الآخر بين السماء و الأرض فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو ؟ قال هو هو قال : فزنه برجل من أمته فوزنت برجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزنت بعشرة فرجحتهم ثم قال : زنه بمائة فوزنت بمائة فرجحتهم ثم قال زنه بألف فوزنت بألف فرجحتهم فجعلوا ينثرون علي في كفة الميزان فقال أحدهما للآخر لو وزنته بأمته رجحها ثم قال أحدهما لصاحبه : شق بطنه فشق بطني ثم قال : شق قلبه فشق قلبي فأخرج منه مغمز الشيطان و علق الدم ثم قال اغسل بطنه غسل الإناء و اغسل قلبه غسل الملاءة ثم دعا بالسكينة فأدخلت قلبي ثم قال : خط بطنه فخاط بطني فما هو أن وليا حتى كأنما أعاين الأمر ] .
و روى أنس بن مالك قال : [ لما حان أن ينبأ رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم كان ينام حول الكعبة و كانت قريش تنام حولها فأتاه جبريل و ميكائيل فقال : بأيهم أمرنا ؟ فقالا : أمرنا بسيدهم ثم ذهبا و جاءا من القابلة و هم ثلاثة فألفوه و هو نائم فقلبوه لظهره و شقوا بطنه ثم جاءوا بماء زمزم فغسلوا ما كان في بطنه من شك أو ضلالة أو جاهلية ثم جاءوا بطست من ذهب قد ملئت إيمانا و حكمة فملئ بطنه و جوفه إيمانا و حكمة ] و هذا موافق لحديث أبي ذر في المعنى و إن خالفه في الصفة فتوارد في الرواية و هو إنذار بالنبوة .
البشرى بالنبوة : .
و المنزلة الثالثة البشرى بالنبوة من ملك أخبره بها عن ربه و اختصت بشراه بالإشعار و تجردت عن تكليف و إنذار لم يسمع بها وحيا و لا رأى معها شخصا و إنما كان حساسا بالملك اقترن بآية دلت و أمارة ظهرت اكتفى بها عن مشاهدته و استغنى بها عن نطقه ليعلم أنه من أنبياء الله تعالى فيتأهب لوحيه و يعان بإمهاله فيكون على البلوى أصبر و للنعمة أشكر .
روى الشعبي و داود بن عامر أن الله تعالى قرن إسرافيل بنبوة رسوله صلى الله تعالى عليه و سلم ثلاث سنين يسمع حسه و لا يرى شخصه و يعلمه الشيء و لا ينزل عليه القرآن فكان في هذه المدة مبشرا بالنبوة و غيره مبعوث إلى الأمة فاحتمل أن يكون إمهاله فيها معونة للرسول و احتمل أن يكون نظرا للأمة و احتمل أن يكون لأوان المصلحة و ليس يمتنع أن يكون لجميعها فإنه أعلم بسر ما أخفى و أعرف بمعنى ما أظهر .
نزول جبريل بالوحي : .
و المنزلة الرابعة أن نزل عليه جبريل بوحي ربه حتى رأى شخصه و سمع مناجاته فأخبره أنه نبي الله و رسوله و اقتصر به على الإخبار و لم يأمره بالإنذار ليعلمها بعد البشرى عيانا و يقطع بها يقينا فيكون معتقده بها أوثق و علمه بها أصدق فلا يعترضه وهم و لا يخالجه ريب .
روى الزهري [ عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم لما فاجأه الحق أتاه جبريل عليه السلام فقال : يا محمد أنت رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فجثوت لركبتي و أنا قائم ثم رجعت ترجف بوادري ثم دخلت على خديجة فقلت زملوني زملوني حتى ذهبت عني ثم أتاني فقال يا محمد أنا جبريل و أنت رسول الله ثم قال : إقرأ قلت : ما أقرأ قال فأخذني فغتني ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد و قال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } فأتيت خديجة فقلت لقد أشفقت على نفسي فأخبرتها خبري فقالت : ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم و تصدق الحديث و تؤدي الأمانة و تحمل الكل و تقري الضيف و تعين على نوائب الحق ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل و كان ابن عمها و خرج في طلب الدين و قيل قرأ التوراة و الإنجيل و تنصر و قالت اسمع من ابن أخيك فسألني فأخبرته خبري فقال : هذا الناموس الذي نزل على موسى عليه السلام يعني جبريل عليه السلام ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قلت أو مخرجي هم ؟ قال نعم إنه لم يجئ رجل قط بما جئت به إلا عودي و لئن يدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا ثم كان أول ما نزل علي من القرآن بعد اقرأ : { ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون } .
و نزل عليه ذلك ليزداد ثباتا و لنفسه استبصارا و لنعمة ربه شكرا ] .
و روى أن خديجة قالت لرسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : [ و هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا إذا أتاك ؟ يعني جبريل عليه السلام قال : نعم قالت فأخبرني به إذا جاءك فجاءه جبريل فقال لها يا خديجة هذا جبريل قد جاء قالت : قم فاجلس على فخذي اليسرى فجلس عليها فقالت هل تراه ؟ قال نعم قالت : فتحول على فخذي اليمنى إليها فقالت هل تراه ؟ قال : نعم قالت فتحول في حجري فتحول في حجرها فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم قال : فحسرت و ألقت خمارها و هو جالس في حجرها فقالت هل تراه ؟ قال : لا قالت يا ابن عمي أثبت و أبشر فو الله إنه لملك و ما هو بشيطان ] .
و آمنت به فكانت أول من أسلم من جميع الناس و استظهرت خديجة بما فعلته من هذا في حق نفسها لا في حق الرسول و لا استظهارا عليه و اكتفى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم في تصديق جبريل بما عاينته خديجة من آياته المعجزة و كان ما نزل به جبريل في هذا الحال مقصورا على إخباره بالنبوة ليعلم أن الله تعالى قد اصطفاه لها فينقطع إليه و يوقف نفسه على ما يؤمر به و ينزل عليه فيكون لأوامره متبعا و لما يراد به متوقعا و أذن له في ذكره و إن لم يؤذن له في إنذاره لقول الله تعالى : { وأما بنعمة ربك فحدث } أي بما جاءك من النبوة فكان يذكرها مستسرا .
النبي يؤمر بالإنذار : .
والمنزلة الخامسة أن أمر بعد النبوة بالإنذار فصار به رسولا و نزل عليه القرآن بالأمر والنهي فصار مبعوثا و لم يأمر بالجهر و عموم الإنذار ليختص بمن أمنه و يشتد بمن أجابه فنزل عليه قول الله تعالى : { يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر } فتمت نبوته بالوحي و الإنذار و إن كان على استسرار و كان ذلك في يوم الإثنين من شهر رمضان .
قال هشام بن محمد أول ما تلقاه جبريل فقال ليلة السبت و ليلة الأحد ثم ظهر له برسالته في يوم الاثنين .
و روى أبو قتادة [ عن عمر بن الخطاب Bه قال سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم عن صوم يوم الإثنين فقال : ذاك يوم ولدت فيه و أنزل علي فيه النبوة ] .
و اختلف في أي إثنين كان من شهر رمضان فقال أبو قلابة : كان في الثامن عشر منه و قال أبو الخلد : كان في الرابع و العشرين منه و هو ابن أربعين سنة في قول الأكثرين لأربعين سنة مضت من عام الفيل و زعم قوم أنه كان ابن ثلاث و أربعين سنة قال هشام بن محمد و ذلك لعشرين سنة من ملك كسرى أبرويز و قال غيره لست عشرة سنة من ملكه [ ثم روي أن جبريل عليه السلام نزل عليه في يوم الثلاثاء ثاني النبوة و هو بأعلى مكة فهم بعقبة في الوادي فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل منها ليريه كيف الطهور فتوضأ مثل وضوئه ثم قام جبريل فصلى و صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بصلاته فكانت هذه أول عبادة فرضت عليه ثم انصرف جبريل فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم إلى خديجة فتوضأ لها حتى توضأت و صلى بها كما صلى به جبريل فكانت أول من توضأ بعده و صلى و استسر بالإنذار من يأمنه ] .
أول من أسلم : .
و اختلف في أول من أسلم بعد خديجة على ثلاثة أقاويل : .
أحدها : أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أول من أسلم من الذكور و صلى و هو ابن تسع سنين و قيل ابن عشر و هذا قول جابر بن عبد الله و زيد بن أسلم .
و روى يحيى بن عفيف عن أبيه عفيف قال : جئت في الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب فلما طلعت الشمس و تحلقت في السماء أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء و استقبل الكعبة فقام مستقبلها فلم يلبث أن جاء غلام فقام عن يمينه فلم يلبث أن جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب و ركع الغلام و المرأة فخر الشاب ساجدا فسجدا معه فقلت للعباس يا عباس أمر عظيم هل تدري من هذا ؟ قال العباس : نعم هذا محمد بن عبد الله ابن أخي و هذا علي بن أبي طالب ابن أخي و هذه خديجة زوجة ابن أخي و هذا حدثني أن رب السماء أمره بهذا الذي تراهم عليه و أيم الله ما أعلم على ظهر الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة .
و القول الثاني : [ أن أول من أسلم و صلى أبو بكر رضي الله تعالى عنه و هذا قول ابن عباس و أبي أمامة الباهلي و روى أبو أمامة عن عمرو بن عنسبة السلمي قال أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم و هو نازل بعكاظ فقلت يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر ؟ قال : تبعني عليه رجلان حر و عبد أبو بكر و بلال ] قال : فأسلمت عند ذلك فلقد رأيتني إذ ذاك ربع الإسلام و قال الشعبي سألت ابن عباس من أول الناس إسلاما فقال أما سمعت قول حسان بن ثابت : .
( إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا ) .
( خير البرية أتقاها و أعدلها ... بعد النبي و أوفاها بما حملا ) .
( الثاني التالي المحمود مشهده ... و أول الناس منهم صدق الرسلا ) .
و القول الثالث : إن أول من أسلم زيد بن حارثة و هذا قول عروة بن الزبير و سليمان بن يسار .
و جعل أبو بكر يدعو إلى الإسلام من يثق به لأنه كان تاجرا ذا خلق و معروف و كان أنسب قريش و أعلمهم بما كانوا عليه من خير و شر حسن التأليف لهم و كانوا يكثرون غشيانه فأسلم على يديه عثمان بن عفان و طلحة بن عبد الله و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم حين استجابوا له بالإسلام و صلوا فصاروا مع من تقدم ثمانية نفر هم أول من أسلم و صلى و قيل : إنه أسلم معهم سعيد بن العاص و أبو ذر ثم تتبع الناس في الإسلام و رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم على استسراره بالدعاء و إن انتشرت دعوته في من من أصحاب من قريش .
الإنذار للعموم بعد الخصوص : .
و المنزلة السادسة : أن أمر أن يعم بالإنذار بعد خصوصه و يجهر بالدعاء إلى الإسلام بعد استسراه فأنزل الله تعالى عليه : { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } فجهر بالدعاء قال ابن إسحق [ ذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه و أمر أن يبدأ بعشيرته الأقربين فقال تعالى : { وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } قال ابن عباس فصعد رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم الصفا فهتف يا صباحاه يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف حتى ذكر الأقرب فالأقرب من قبائل قريش فاجتمعوا إليه و قالوا مالك قال : أرايتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ما جربنا عليك كذبا قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تبا له ألهذا جمعتنا ثم قام فأنزل الله تعالى : { تبت يدا أبي لهب وتب } إلى أخر السورة ] .
قال ابن إسحق و لم يكن في قريش في دعائه لهم مباعدة له و لكن ردوا عليه بعض الرد حتى ذكر ألهتهم و عابها و سفه أحلامهم في عبادتها فلما فعل ذلك أجمعوا على خلافه و تظاهروا بعداوته إلا من عصمه الله تعالى منهم بالإسلام و هم قليل مستحقرون فصار بعموم الإنذار و الجهر بالدعاء إلى التوحيد و الإسلام عام النبوة مبعوثا إلى كافة الأمة فكمل الله تعالى بذلك نبوته و تمم به رسالته فصدع بأمره و قام بحقه و جاهد بأنذاره و عم بدعائه و جاهد في الله حق جهاده حتى خصم قريشا حين جادلوه و صابرهم حين عاندوه و جمعهم غفير و جمعهم كثير إلى أن علت كلمته و ظهرت دعوته و كابد من الشدائد ما لم يثبت عليها إلا معصوم و لا يسلم منها إلا منصور و كل هذه آيات تنذر بالحق و تلائم الصدق لأن الله لا يهدي كيد الخائنين و لا يصلح عمل المفسدين .
ما شرع من الدين بعد التوحيد : .
فأما ما شرعه من الدين فالشرع بعد التوحيد يشتمل على قسمين : عبادات و أحكام فأما العبادات فلم يشرع منها مدة مقامه بمكة إلا الطهارة و الصلاة حين علمه جبريل الوضوء و الصلاة و كانت فرضا عليه و سنة لأمته لقول الله تعالى : { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه } فكان هذا حكمها في حقه و حقوق أمته إلى أن فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وذلك في السنة التاسعة من نبوته فصارت الصلوات الخمس فرضا عليه و على أمته و لم يفرض ما سواها من العبادات حتى هاجر إلى المدينة و صارت له بالإسلام دارا و صار أهلها أنصارا .
أول ما فرض في المدينة من العبادات : .
فأول ما فرض بالمدينة من العبادات بعد فرض الصلوات الخمس بمكة صيام شهر رمضان في الثانية من الهجرة في شعبان و فيها حولت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة و فرض فيها زكاة الفطر و شرع فيها صلاة العيد و كان فرض الجمعة قد تقدم في أول الهجرة بدلا من صلاة الظهر ثم فرضت زكاة الأموال بعد ظهور القوة و سد الخلة ثم الحج و العمرة .
و أما الأحكام فما أوجبته قضايا العقول من تحريم القتل و الزنا كان مشروعا بمكة مع ظهور إنذاره و ما تردد في قضايا العقول بين فعله و تركه كف عن الحكم فيه بتحليل أو تحريم أو حظر أو إباحة أو استحباب أو كراهة فلم يحلل بمكة حلالا و لا حرم بها حراما حتى هاجر منها فحلل بعد الهجرة و حرم و أباح و حظر لأنه كان بمكة مغلوبا باستيلاء قريش عليها و كانت دار شرك لا ينفذ فيها أحكامه فلم يحلل و لم يحرم حتى صار بالمدينة في دار إسلام تنفذ فيها أحكامه فبين ما حلل و حرم و بين ما أباح و حظر و بين ما يصح من القول و يفسد و لذلك كان بمكة مسالما و بالمدينة محاربا فكانت الحكمة موافقة لأفعاله و التوفيق معاضدا لأقواله و إن كان مأمورا بها كما قال الله تعالى : { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى } لكن لحسن قيامه بها و موافقة الصواب في مواضعها تظهر آثار حكمته في صحة حزمه و صدق عزمه .
فهذه جملة متفقة في أعلام نبوته و قاعدة مستقرة في ترتيب رسالته و أحكام شريعته فأما أحكام جهاده في حروبه و غزواته فسنذكره في كتاب نفرده في سيرته نوضح به مواقع أعلامه و مبادي أحكامه و بالله تعالى التوفيق .
[ تم بحمد الله ]