@ 30 @ ا يجوز في حقه مشابهة الحوادث في شيء من صفاتهم ، فمن أثبت مثلاً أنه : سميع بصير ، وسمعه ، وبصره مخالفان لأسماع الحوادث وأبصارهم ، لزمه مثل ذلك في جميع الصفات . كالاستواء ، واليد ، ونحو ذلك من صفاته جل وعلا ، ولا يمكن الفرق بين ذلك بحال . .
الأمر الثاني : أن الذات والصفات من باب واحد أيضاً ، فكما أنه جل وعلا ، له ذات مخالفة لجميع ذوات الخلق ، فله تعالى صفات مخالفة لجميع صفات الخلق . .
الأمر الثالث : في تحقيق المقام في الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من آيات الصفات . كالاستواء واليد مثلاً . .
اعلم أولاً : أنه غلط في خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين ، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلا : في الآيات القرآنية . هو مشابهة صفات الحوادث . وقالوا : يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً ، لأن اعتقاد ظاهرة كفر . لأن من شبه الخالق بالمخلوق فهو كافر ، ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول . أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله والقول فيه بما لا يليق به جل وعلا . .
والنَّبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء ، على أنه صلى الله عليه وسلم : لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ، وأحرى في العقائد ولا سيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين . حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين ، فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق ، والنَّبي صلى الله عليه وسلم كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه ، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة ، { سُبْحَانَكَ هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } . .
ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله جل وعلا ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم . .
فظاهره المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان . هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث