@ 19 @ وهو العلي العظيم أو نحو ذلك من الصفات الجامعة . أن السمع والبصر يتصف بهما جميع الحيوانات . فبين أن الله متصف بهما ، ولكن وصفه بهما على أساس نفي المماثلة بين وصفه تعالى ، وبين صفات خلقه . ولذا جاء بقوله : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } بعد قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } ففي هذه الآية الكريمة إيضاح للحق في آيات الصفات لا لبس معه ولا شبهة البتة ، وسنوضح إن شاء الله هذه المسألة إيضاحاً تاماً بحسب طاقتنا ، وبالله جل وعلا التوفيق . .
اعلم أولاً : أن المتكلمين قسموا صفاته جل وعلا إلى ستة أقسام : .
صفة نفسية ، وصفة سلبية ، وصفة معنى ، وصفة معنوية ، وصفة فعلية ، وصفة جامعة ، والصفة الإضافية تتداخل مع الفعلية . لأن كل صفة فعلية من مادة متعدية إلى المفعول كالخلق والإحياء والإماتة ، فهي صفة إضافية ، وليست كل صفة إضافية فعلية فبينهما عموم وخصوص من وجه ، يجتمعان في نحو الخلق والإحياء والإماتة ، وتتفرد الفعلية في نحو الاستواء ، وتتفرد الإضافية في نحو كونه تعالى كان موجوداً قبل كل شيء ، وأنه فوق كل شيء ، لأن القبلية والفوقية من الصفات الإضافية ، وليستا من صفات الأفعال ، ولا يخفى على عالم بالقوانين الكلامية والمنطقية أن إطلاق النفسية على شيء من صفاته جل وعلا أنه لا يجوز ، وأن فيه من الجراءة على الله جل وعلا ما الله عالم به ، وإن كان قصدهم بالنفسية في حق الله الوجود فقط وهو صحيح ، لأن الإطلاق الموهم للمحذور في حقه تعالى لا يجوز ، وإن كان المقصود به صحيحاً . لأن الصفة النفسية في الإصطلاح لا تكون إلا جنساً أو فصلاً ، فالجنس كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان ، والفصل كالنطق بالنسبة إلى الإنسان ، ولا يخفى أن الجنس في الاصطلاح قدر مشترك بين أفراد مختلفة الحقائق كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والفرس والحمار ، وأن الفصل صفة نفسية لبعض أفراد الجنس ينفصل بها عن غيره من الأفراد المشاركة له في الجنس كالنطق بالنسبة إلى الإنسان ، فإنه صفته النفسية التي تفصله عن الفرس مثلاً : المشارك له في الجوهرية والجسمية والنمائية والحساسية ، ووصف الله جل وعلا بشيء يراد به اصطلاحاً ما بينا لك . من أعظم الجراءة على الله تعالى كما ترى . لأنه جل وعلا واحد في ذاته وصفاته وأفعاله ، فليس بينه وبين غيره اشتراك في شيء من ذاته ، ولا من صفاته ، حتى يطلق عليه ما يطلق على الجنس والفصل سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً لأن الجنس قدر مشترك بين حقائق مختلفة .