@ 10 @ قوله تعالى : { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } . .
ذكر في هذه الآية الكريمة : أن إبليس لعنه الله خلق من نار ، وعلى القول بأن إبليس هو الجان الذي هو أبو الجن . فقد زاد في مواضع أخر أوصافاً للنار التي خلقه منها . من ذلك أنها نار السموم . كما في قوله : { وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ } ، ومن ذلك أنها خصوص المارج . كما في قوله : { وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } ، والمارج أخص من مطلق النار لأنه اللهب الذي لا دخان فيه . .
وسميت نار السموم : لأنها تنفذ في مسام البدن لشدة حرها . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً ( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) ورواه عنها أيضاً الإمام أحمد . .
قوله تعالى : { قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } . .
بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر ، فأخرجه الله صاغراً حقيراً ذليلا ، متصفاً بنقيض ما كان يحاوله من العلو والعظمة ، وذلك في قوله : { فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } ، والصغار : أشد الذل والهوان ، وقوله : { اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا } ، ونحو ذلك من الآيات ، ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة ، وإنما يحصل له نقيض ذلك . وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله : { إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ } . وبين في مواضع أخر كثيراً من العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبر أعاذنا الله والمسلمين منه فمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله ، والاهتداء بها كما في قوله تعالى : { سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } . ومن ذلك أَنَه من أسباب الثواء في النار كما في قوله تعالى : { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } ، وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } ، ومن ذلك أن صاحبه لا يحبه الله تعالى كما في قوله : { لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } ، ومن ذلك أن موسى استعاذ من المتصف به ولا يستعاذ إلا مما هو شر . كما في قوله : { وَقَالَ مُوسَى إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } إلى غير ذلك من