@ 433 @ قوله تعالى : { فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْى } إلى قوله { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَاكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } . .
وقد دلت هذه الآية وأمثالها ، على صدق مقالة هرقل حينما سأل أبا سفيان ، عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم : أهم سادة القوم أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاؤهم . فقال : هكذا هم أتباع الرسل . .
وقال العلماء في ذلك : لأنهم أقرب إلى الفطرة ، وأبعد عن السلطان والجاه ، فليس لديهم حرص على منصب يضيع ، ولا جاه يهدر ، ويجدون في الدين عزاً ورفعة ، وهكذا كان بلال وصهيب وعمار ، وهكذا هو ابن أم مكتوم رضي الله عنهم . { أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى } . بيان لموقفه صلى الله عليه وسلم من جميع الأمة ، وحرصه على إسلام الجميع حتى من أعرض واستغنى ، شفقة بهم ورحمة ، كما بين تعالى حاله صلى الله عليه وسلم بقوله : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } وكقوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىءَاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَاذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً } . .
وقوله : { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى } ، بيان أنه صلى الله عليه وسلم ليس عليه ممن لا يتزكى ، وقد صرح تعالى بذلك في قوله : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ } وقوله : { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلَاغُ } ، وقوله : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } ، ومثل ذلك . .
وقد جمع الأمرين من الجانبين في قوله تعالى عن نوح عليه السلام { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } . { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِى سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } . معلوم أن كلمة : كلا : ردع عمَّا سبق ، وهو في جملته منصب على التصدي لمن استغنى ؟ والإلحاح عليهم والحرص على سماعهم منه ، ولكن الله تعالى يقول : إن منزلة القرآن والوحي والدين أعلى منزلة من أن تبذل لقوم هذه حالتهم فهي على ما هي عليه من